إنهم أعداء، ولكن أعداء بالأجرة، وهذا ما تخبرنا عنه تصرفاتهم في كل مراحل العدوان على سورية، ولا تختلف أنماط سلوكهم في جنيف عنها في نورسلطان إلا ما كان من ذلك من تعديلات هامشية هي للتوظيف السياسي ولا تمس جوهر الدستور بكل أبعاده ونصوصه.
ولقد تبدو المسافة بين آستنه في كازاخستان وجنيف في أوروبا وأميركا بعيدة ولكنها تختصر بالتأكيد حالة التجذر في المواقف لكل من الطرفين الوطني السوري والمدعي للمعارضة وهو تركي الهوى والهوية، هذه المسافة قدمت لنا مخرجات من طبيعة المشروع المعادي، وهنا علينا أن ندقق في مفاهيم ومصطلحات بذاتها، وأولها والأخطر فيها هو أن فاقد الشيء لا يعطيه وهذه المعارضات المتشنجة والموظفة توزعت على منصات الحقد على سورية بدءاً من تركيا وفرنسا وأميركا والسعودية وقطر، ولقد جرت صياغة هذه المنصات على أسس العدوان المطلق للوطن السوري، ولا يوجد في مسيرة هذه المعارضات المشؤومة ما يؤكد أنهم سوريون بالمعنى الطبيعي والانتماء وبالمعنى السياسي والأهداف المطروحة، وبمعنى الدوافع والمسارات التي خُصصت لهم ثم انتظمت كل أنماط سلوكهم، ونعود للأصل إن وفد المعارضة في جنيف هو مجموعة أشخاص باعوا أنفسهم للشيطان ولقوى العدوان وقد استقرت تسميتهم الآن على أنهم ممثلون لتركيا أردوغان، وما بين التسمية والمسمى هناك عادة بعض الروابط وكما يقول المثل العربي لكل اسم من مسماه نصيب، نحن نعلم أن هذه النماذج من المعارضة هي مصنعة خارج الضرورات وخارج منطق البحث عن الأفضل، إن عناصرها مجرد أدوات ولدت في الحاضنة الاستعمارية واستقت كل مصادر العداء والخسة والرخص من ذات المشروع الغربي الصهيوني، وما دام التوصيف على هذا المستوى فإن السؤال المهم هو:
لماذا إذاً الالتقاء بهم والعمل بجدية للحوار معهم وهذا السؤال اكتسب شرعيته بعد تعديل في الأيام الأخيرة حينما صار اسم الوفد السوري هو الوفد الوطني السوري وليس مجرد المجموعة المدعومة من قبل الحكومة، وفي المنحى الآخر أنجزت الهوية السياسية للمعارضة هذه التسمية بأنهم الوفد التركي الأردوغاني، وهكذا يبقى السؤال مشروعاً وضاغطاً، لماذا نحاورهم، لماذا نعطيهم هذه الفرصة وسلفاً نقول قاتل الله الظروف والوقائع الصعبة لأن أكبر جرح في حياة الإنسان حينما يضطر للحوار مع عدو بهذا المستوى الذي تمثله المعارضة، وهذا التحليل هو تكييف آخر لأهمية الموقف الوطني السوري في الحوار كما هو في جنيف الآن، فنحن بذلك نعبر عن حقيقتين في الوطن السوري، الأولى منهما هي كوننا الجزء الأساس من هوية السلام باعتباره خياراً تاريخياً واستراتيجياً بالنسبة للوطن السوري، لسنا هواة حرب ولا دعاة قتل ونريد في السياسة والحوار أن نصل إلى أي جزء مهما صغر من القواسم المشتركة ومع المتشنج والعدو تماماً كما مع الذات والصديق والسوري الشريف في هذا العالم نحن في جنيف وفي غير جنيف نعبر عن هويتنا وجذورنا وبعد ذلك نعرف كيف ننقل هذه الخصائص إلى المواقف السياسية والعسكرية والتعاملية ومن هنا صح فينا ما أطلقه الآخرون منا بأننا في سورية نقاتل بشرف ونفاوض بشرف ونحاور بشرف ونضع جدول أعمالنا بكل المعارك بشرف أيضاً.
أما الحقيقة الثانية التي نتبناها ونعيشها بعمق ترتكز على حقائق العالم القائمة وعلى مهام الواقعية وليس الأمر الواقع، فهي أننا نريد أن نقدم صورتنا وأخلاقياتنا للعالم كله، نمتلك الجدية والصدق ونتفاعل مع أي مبادرة ولا نشترط ولا نتشنج ونترك الفرصة مفتوحة على مصراعيها أمام من آب إلى وطنه ولو جاء متأخراً، وهذا التوجه أعطانا المصداقية في السياسات العالمية وشكل محوراً جاذباً اجتمعت إليه وفيه مواقف إنسانية كثيرة وغزيرة ونحن بذلك قدمنا فتحاً مبيناً يضاف إلى أدائنا الوطني في الميادين العسكرية وفي الأنشطة السياسية وهنا تكمن روح المسؤولية عندنا ولذلك نبادر ونسهل ونيسر ونقبل بالخطوات الأولى على أمل أن تستدرج هذه الخطوات مراحل أخرى تذهب بنا وبهم نحو الكلمة السواء الصادرة عن الوطن بأساسياته والعائدة للوطن بأهدافه الراهنة ورسالته الناصعة ومقدرته على التفاعل الحي مع الأزمات والمؤامرات في ظروف هذا العالم المفعم بالتعقيد والخداع، والآن حينما يجري هذا النهج في التعطيل كما يريده وفد أردوغان فإن المسألة هنا ليست مجرد وضع العصي في العجلات لزمن محدود إن التعطيل المعمول به عندهم هو تعبير عن عمق العدوان واستمرار الحقد وهو بحث في الزوايا المظلمة والكهوف ومكاتب أجهزة الأمن الغربية والصهيونية عن كل ما يؤدي إلى وقف زحف السلام في الحوار الدستوري بعد أن أظهرت حالات العجز عن وقف البطولات في المعارك العسكرية.
د. أحمد الحاج علي
التاريخ: الاثنين 2-12-2019
الرقم: 17136