ثورة اون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
تفرد الأعراب أوراق ذلها دون حياء، وتطوي إلى غير رجعة صلة رحمها بالقضية، ويختال القطري في مشيته وهو يجرّ خلفه تابعيه وأجراءه داخل أروقة الخارجية الأميركية،
ويستعيد لسانه الذي اعتاد أن يبتلعه في حضرة السيد الأميركي، فيتفاصح في السياسة ويهذي في الدبلوماسية، ويتبجح في مغازلة الإسرائيلي، ويوزع صكوك البيع والشراء للقضية والأرض والمواقف والأدوار على الملأ.
الغزل القطري الإسرائيلي غير «العفيف»، لم يكن بعيداً عن المتابعة السياسية والإعلامية، ولا هو خارج الأضواء رغم الأقبية التي يرتادها، وتبادل العواطف السياسية وغير السياسية التي تفوح منها رائحة الخيانة وصفقات التآمر الكبرى في التاريخ، كان واضحاً وجلياً، وقد عبّرت عنه لقاءات حمد وليفني غير مرة، وطفا على السطح في أكثر من مناسبة.
ما يفصح عنه اليوم من بيع ومتاجرة بالقضية الفلسطينية، لا يقتصر في خطورته على ما تم تحضيره في ملفات الحجيج العربي المتقاطر إلى البيت الأبيض، وبين أوراقه الظاهرة منها والمخفية، ولا على سوابق ما يقدمه من خدمات تستبيح المحظورات التي تلهث وراءها إسرائيل وأميركا منذ عقود، بل بما يكشفه من خفايا تفضح ما يجري في المنطقة، وما يتم العمل عليه، حيث « ربيع حمد » يزهر في الجعبة الإسرائيلية، ويثمر داخل الحقيبة الأميركية.
لم نكن بحاجة لمعرفة السبب حتى يبطل العجب من الأعراب التي اصطفت في وقت مبكر وتناوبت على البكاء يميناً وشمالاً، وذرفت دموعها على الشعوب العربية و«حقوقها» التي تقاطر الغرب من يمينه إلى شماله واستنفر أدواته القديمة منها والجديدة وتزاحمت عليها أطماعه المستيقظة على أنقاض الخراب العربي.
ولم يكن من الصعب فهم تداعيات الكثير من الأحجيات التي رسمت قوس مفارقاتها على امتداد المنطقة، وهي تحاكي توظيفاً جديداً للإرهاب بأدواته المستحدثة خلف عباءات رعاته، وتحت طرابيش قدوته الجدد، ولم يكن غائباً عن الذهن الغاية والهدف الواضح في إبعاد القضية الفلسطينية عن واجهة الاهتمام، وصولاً إلى الصفقة الكبرى للتصفية النهائية، التي سلمها حمد ممهورة من تجار الجامعة المصادرة من مشيخات الخليج.
وفي الوقت ذاته، كانت تتدلى من سقوف هذا الاستهداف المنظم لسورية، وإشغال كل الأصوات القومية، إشارات واضحة وجلية بأن الغاية هي تصفية القضية، بعد أن توهّموا أن هذا الانشغال قد يتيح الفرصة المناسبة التي قد لا تتكرر، وهو على الأقل ما يفسّر الترحيب الإسرائيلي ومن دون تردد، والامتنان الأميركي الذي لم يصدّق بعد.
لكن، وقد وضح السبب فإن العجب لم يعد أحجية في زمن الأعراب التي تسربلت في رحلة حجيج، فرادى وجماعات، لتحكي باسم العرب.. ولتعطي باسم العرب.. ولتوقّع على تصفية قضية العرب باسم العرب، ولم تعد هناك ألغاز وطلاسم في تورّم الدور القطري، ما دام قد حمل بيديه صك التنازل الذي عجزت إسرائيل وأميركا عن فرضه طوال خمسة وستين عاماً من المبازرة والمماطلة.
ربما لم تكن هناك مفاجآت بالمعنى الفعلي، ولم تكن هناك خطوات غير متوقعة في النهاية، غير أن حساباتهم لم تكن موفقة، وتوقيتهم لم يكن محكماً بدليل أن ما توهّموا إنجازه لن يتحقق، ولن يكون بمقدور حمد وزبانيته من الأعراب أن يمرروا – في الوقت الذي ينشغل فيه العرب بهمومهم – ما يضيّع ما تبقى من القضية، لأن صكوك حمد فاقدة لصلاحيتها ولا تعني أحداً سواه، وحتى الذين بلعوا لسانهم من مرتزقة سياسته، لن يكون بمقدورهم أن يسوّقوا ما يريد حمد لدى الفلسطينيين.
ما هو واضح وصريح أن زمن بيع القضية، وإن حضر في أجندة حمد، فهو لا يطابق الإرادة العربية التي تنفض عنها غبار الصدأ ولو كان ببطء، وأن إشهار التصفية النهائية لها لن يجدي، حتى لو كانت بتظهير العناق القطري الإسرائيلي.
فسورية التي يتوهّمون أنهم قد أشغلوها بحربهم الكونية ومرتزقتهم وإرهابييهم ما زالت تمسك بثبات بوصلة القضية، وستبقى كذلك، وكما استطاعت أن تغير في حسابات معادلاتهم حين استهدفوها، فإنها هي ذاتها التي ستقلب محاولاتهم في تصفية القضية المركزية للعرب، فغيرهم ممن سبقهم من تجار القضية كان أذكى وأدهى ولهم أن يتّعظوا بمصيرهم وما آلوا إليه في نهاية المطاف، وكما فشل أولئك، فإن هؤلاء لن يكونوا أقل فشلاً.. ولن يمر مشروعهم، سواء غلفوه بعباءات الخليج أم أحضروه بطربوش المصالحة الأردوغانية -الإسرائيلية.. والأيام القادمة هي المعيار والشاهد.