ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم : يتقاطع النفاق الغربي مع لغة الاستجداء لبعض الأعراب، التي بدأت تجد في مناخ المزايدة الغربية فرصة سانحة للاصطياد في الماء العكر، حيث يوفر التناقض الفج في المواقف الأميركية المساحة الكافية لبعض الأصوات كي تُخرج ما في جوفها تحت عناوين تتلون وفق النغمة الأميركية.
فسيل التصريحات الأميركية اليومية حول كذبة الكيماوي تلاقيها على الضفة الأخرى مواقف عربية، تتجاوز الهستيريا الأميركية، وإن كانت تتكئ عليها وتحتمي بها كمظلة للعبث السياسي الخطر الذي يتجاوز اللعب بالنار إلى مستوى إشعال الحرائق.
وإذا كان من المفهوم للعبة الأميركية أن تعتاش على تناقضات المشهد وأن توغل في تبنيه، فإن تسويق التفريط بالقضية الفلسطينية تحت عناوين تعديل المبادرة العربية يصبح أحجية سياسية تخفي خلفها كل خبايا «الصقيع» العربي القادم.
فيما تشكل عودة الأردن وعلى لسان رئيس حكومته للحديث عن المناطق العازلة، بوابة توضح أبعاد دوره في حبكة «التطبيع» القادمة بالتوازي مع التفريط، رغم ما تنطوي عليه من بدائية سياسية تصل إلى حدود الحماقة، وخصوصاً أن هذه النغمة – وبعلم الجميع – ليست مرفوضة فحسب، بل هي من الخطوط الحمراء ومن غير المسموح حتى التداول فيها.
ليس لدينا اوهام بأن الأزمة الأخلاقية في العلاقات الدولية تستفحل على نحو غير مسبوق، ويطفو العهر السياسي على سطح الخطاب السياسي، كعنوان تنطوي تحته سلوكيات الغرب وأتباعه في المنطقة، وبات العلامة الفارقة التي يحتاج إليها كل من يلهث خلف الرضا الغربي، حيث تتساوى فيه الأدوات القديمة مع الجديدة.
لكن بالقدر ذاته رغم يقيننا بدونية الأعراب، وبعضها يزايد على الغرب في نفاقه، فإن مشهد اصطفافها يشي بغوغائية غير منضبطة، ويمهد لإعصار قادم لن ينتهي إلا بتحديد معالم خريطة جديدة للعلاقات الدولية، حتى لو كان الإعصار ذاته عكازاً للاستجداء والمتاجرة السياسية الرخيصة من أجل حفنة أوهام جديدة.
فمن الواضح أن العرج السياسي يستحكم بالخطاب الأميركي، وكلما ظهر منعطف في القضايا الدولية يزداد وضوحاً، ويصل إلى مرتبة الإعاقة السياسية والتخلف الدبلوماسي في أبسط قواعد التعامل مع الأحداث المستجدة والتطورات غير المحسوبة.
وجاءت الأزمة في سورية ليكشف هذا الخطاب عن انفصام في مستويات القرار عكسته تراجيديا من التناقضات غير المتناهية، وبرزت إلى العلن بدائية دبلوماسية، كان من الصعب على المنطق أن يتفهم صدورها من دولة عظمى لها باعها في السياسة الدولية، وتمتلك أهم مراكز البحوث وصناعة القرار في العالم.
ومع تقدم فصول الأزمة كان الخطاب الأميركي يزداد تعرياً وصبيانية، تفوقت على مثيلاتها من الدول المستحدثة على خريطة العالم السياسية، ورسمت في النهاية جملة من الطلاسم والألغاز التي تحاول الدبلوماسية الأميركية وزعيمها الجديد فك رموزها وتقديم إجابات تتلاقى مع انكفاء يشابه انزواء الدبلوماسيات الناشئة في العالم الخامس وليس الثالث فحسب.
ربما مازال هناك من يرى في هذا العرج ميزة تحسب للدبلوماسية الأميركية، أكثر مما تحسب عليها، ويدللون على ذلك ببعض المشاهد التي توحي بتعمد العرج في بعض مفاصلها وممارساتها، لكنها على المستوى العملي لا تنتج الانطباع ذاته، ولا توصل إلى النتائج التي تحاكي المصالح الأميركية، بل تشكل عبئاً سياسياً ودبلوماسياً يدفع إلى الاعتقاد بأن الإدارة الأميركية في تعمدها هذا تخرج عن نطاق الدولة العظمى لتتساوى مع مثيلاتها من الدبلوماسيات الهشة، التي تتحرك بالإيحاءات أكثر مما تبني قراراتها على المعلومات والمعطيات.
في التعاطي مع جبهة النصرة وأخواتها من التنظيمات الإرهابية التي تمتد لتصل إلى القاعدة، تتفجر الألغام السياسية في وجه الدبلوماسية الأميركية، وتتعارك في توضيح وتفسير الكثير من المفارقات التي ستكون موضع مساءلة قانونية لمخالفتها أبسط قواعد القانون الأميركي فيما يخص الإرهاب، حيث شحنات أسلحتها القادمة إلى الإرهابيين تدرك بالحس القطعي أنها تصل في نهاية المطاف إلى تلك التنظيمات سواء تجاهلت ذلك أو اعترفت به.
وفي منطق المحاكمة ليس من العسير فهم هذا التورط الأعرابي في مغطس تمرير التطبيع، وهي التي تم «تسمينها » طوال هذه العقود من أجل هذه الخطوة، وليس من الصعب تفسير عودة بعض الجوار العربي إلى الغَرْف من جعبة الحسابات الأميركية، خصوصاً أن لغة المناطق العازلة والاستقواء بالأمم المتحدة لا طائل من النفخ فيها للتغطية على اجندات الدور القادم ، ولا جدوى من الاختباء خلف أصابع الكذب الأميركي للتستر على عورات سياسية سقطت عنها حتى ورقة التوت..!!
a.ka667@yahoo.com