ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم
بين أيار عام 1916 وأيار عام 2013، لا تكفي المسافة الفاصلة في صفحات التاريخ لتدون الفارق، ولا لتكتب كل ما شهدته سطور سنواتها العجاف منها وغير العجاف، لكنها قد تصلح للمقارنة والمعايرة على تخوم الامة التي باتت غريبة عن حضورها المعتاد في أروقة التاريخ.
دمشق التي اعتادت في أيار من كل عام ان تكون الشاهد على عظمة شهدائها، كان لأيار موعد آخر معها، واستحقاق آخر مفصلي سيعيد فيه السوريون التاريخ إلى موقعه الذي توهم البعض انه تاه عنه، والأيام إلى أوراق روزنامتها التي تحايلت عليها قوافل الأعراب والأغراب كي تصطف خارجها وبعيدة عنها.
دمشق الصامدة التي كابرت على جراحها وعلى طعنات الغدر من أعراب باتوا أدوات ومرتزقة وأجراء أعتى حرب تواجهها وأشرس عدوان عرفه التاريخ الحديث، تمتد إليها اليد الإسرائيلية لتتماهى مع يد الإرهاب والإجرام، وجنبا إلى جنب مع الأعراب والدخلاء على الأمة والتاريخ معاً.
اليد الآثمة التي أباح لها الأميركي الحضور بالوكالة عنه، وأصالة عن الإرهابيين والمرتزقة، واليد المجرمة والعدوانية التي تمنى عليها الأعراب أن تمتد منذ زمن بعيد، تدرك أنها تلعب بالنار وأنها في امتدادها تشعل حرائق لا تنتهي، ويدرك من أطلقها ومن شجعها ومن طالبها مراراً وتكراراً أن امتداداها لن يكون فقط عبث بأمن المنطقة، بل يوزع أفخاخه في بقاع العالم، ويمضي في غروب لا ينتهي عند حدود تمنياته وغرائزه، ولا يكتفي بمساحة الخرائط الممتدة على إحداثيات أطماعه.
لا تحتاج العربدة الإسرائيلية بشكلها الجديد إلى كثير من الشرح والتفسير، وفيها ما يضيف إلى التفاصيل بما يكفي لقراءة البوابات التي فتحتها على مصاريعها أمام تحولات لن تكتفي بتغيير المعادلات القائمة في المنطقة، بل بتعديل جوهري على العلاقات الدولية بأطياف حضورها ومراكز التمترس فيها، ونقاط الاصطدام ومفارق المواجهة.
فالقضية ليست من باب التهويل أو المبالغة، ولا هي بمعيار التعاطي مع العدوان السافر بما يمثله من فتح الاحتمالات على جبهاتها المتعددة السياسية والإعلامية والعسكرية فقط، بل بما ترسمه من متحولات تبني أجندتها على ما ستفرزه من ارتدادات وانعكاسات ونتائج على غير صعيد، وبما ترسمه من أجندات تستجد على دفاتر التاريخ وسطور صفحاته المنسية او المغيبة، أو تلك التي يراد لها أن تبقى مجتزأة داخل ذاكرة لا تخفي جوانب العطب فيها.
يعيد أيار كتابة التاريخ بلغة المرحلة وبمفردات العصر، وبمصطلح اللحظة، ليؤكد أن فجره رغم ما ينطوي عليه من آلام وفواجع وما شهده من عدوان أماط اللثام عن وجه أدواته، فإنه يرسم غداً يختلف عن أمس الأمة وفي أحيان كثيرة عن يومها ذاته، ويفتح سجالاً آخر وجدالاً جديداً، لكنه يحسم في نهاية المطاف الفارق بين الخيط الأسود والأبيض، ويلتقط خطوط التماهي القائمة بين أدوات الإجرام ووسائل العدوان ليرسم قوافل من الشبهة, ومساحات التقاطع بين أطرافه ومحركيه والمرابطين المتربصين بين خطوطه على وهم الاستقواء بالعدو.
المسألة ليست للمقارنة، لكن من حق السوريين أن يتوقفوا في ذكرى شهدائهم، ومن حقهم أن يتمعنوا في دلالات العدوان الإسرائيلي الذي اختار أيار ليفصح عن ذاته كدليل إضافي على أنه المحرك والموجه للإرهاب، مثلما كشف فجر السادس من أيار قبل قرن إلا ثلاث عن الوجه الحقيقي للعثمانيين، وفضح بعدها رموز الحقبة الاستعمارية التي تلته.
أيار تاريخ يضاف إلى تواريخ مرت على الأمة، ولكنه هذا العام سيشهد عبر السواعد السورية والإرادة السورية إعادة كتابة التاريخ الذي يحتاج إلى تجديد في سطوره، وإلى نفض ما علق به من غبار، وما حصل حوله من التباس، ومن ارتباك في تفسير بعض جوانبه.. وعلى العدوان بأدواته ووسائله وأطرافه وخطوطه إعادة حساباته، والتفكير ملياً بأطراف معادلاته على ضوء ما ستترجمه الخطوات السورية القادمة.
a.ka667@yahoo.com