التعميم لغة الحمقى، أمر لا أشك به أبداً، ويجب ألا يكون حكماً على أي شيء مهما كان، فثمة ما هو مخالف لأحكامنا القطعية بالخير أو الشر، أو أي شيء نطلق عليه حكماً عاماً شاملاً مبرماً ونجمل الجميع به، ما يدفعني إلى هذا أن زاوية كتبتها الإسبوع الماضي أثارت ردود فعل متباينة بين من يقرؤون من المقربين مني، فمن قال: صحيح ما تقوله بينما انبرت (حكومتي الداخلية ) إلى القول: لا، لست على صواب مع أني طرحت تساؤلاً وليس حكماً مبرماً: هل نحن لصوص ؟
هذا التساؤل لم يلق منها قبولاً جيداً، وإن كانت الفكرة يجب أن تطرح لكن ليس هكذا، بالمناسبة يروى أن قاضياً حكم على لص ظريف أن يخرج إلى الشارع ويقف وينادي على الجموع بأعلى صوته: أنا لص، يريد القاضي أن يكون الأمر بصيغة الإخبار، لكن ذكاء اللص ومقدرته اللغوية جعلته يخرج من الحالة بأمر مختلف تماماً، وقف ونادى باعلى صوته: أنا لص، مع حركة الاستفهام ، كررها مرات ومرات، وجاءه الجواب: لا، لا .
نفذ حكم القاضي وحول الإخبار إلى استفهام، ومن باب الطرافة أيضاً أن صحيفة فرنسية في عهد ديغول شنت هجوماً على أعضاء المجلس البلدي بباريس، ما جعله (المجلس) يرفع دعوى قضائية على الصحيفة وطالبها بالاعتذار، وخرجت باليوم التالي وقدمت الاعتذار التالي: قلنا بالأمس إن نصف أعضاء المجلس البلدي لصوص، والحقيقة أن نصفهم ليسوا لصوصاً ..
حكومتي (الداخلية) ذكرتني بالكثير من المواقف التي تدل على نبل السوريين ومن مختلف الألوان والمشارب، موظفين، عمال، فلاحين، فقراء، صيادلة، أطباء، تجار، وأردفت: هل تتذكر الصيدلانية (نهى ) في قرية مجاورة لقريتكم، كيف تعامل من يقصد صيدليتها، ولا ترفع سعر أي دواء لديها مع أنه معدل حتى تنتهي الكمية القديمة وتبقيها على سعرها مهما ارتفع حتى تنفد، وكرت سبحة المواقف التي تعبر عن الانتماء والمواقف النبيلة .
هل تنكر أن فلاناً رفض أن يرفع سعر عبوة زيت الزيتون أكثر من 23 ألف ليرة مع موجة جنون الاسعار التي ضربت البلاد، والكل صار يقيس الأمر على الدولار بدءاً من بائع البقدونس إلى وإلى ..
حقيقة : لا أنكر ذلك، ومئات القصص والحكايا تروى في هذا المجال، ولكن نقطة سوداء على صفحة بيضاء تلوثها وتكون لافتة للنظر أكثر من البياض كله، وهل تنكرين أنت: أني من فترة وجيزة اشتريت (جاكيت ) على أساس أنها جلد وربما تقضي الشتاء كله، لكنها بعد أيام قليلة تمزقت ذاتياً لكثرة تخزينها ورداءة الصناعة، وثمنها ليس بالقليل ؟وبدأت موجة الـ (هل ) إلى أن سكت عن الكلام المباح، وقلت: حقيقة: ليس كلنا لصوصاً، بل ربعنا، وربع الربع، بل أجزم أن لا أحد منا لص أبداً، ولكن السؤال المحير: إذا كنا كلنا نتحدث عن الشرف والقيم والتواضع ونستنكر الفساد ،من أين حل هذا الوباء كله، من هم اللصوص، بالتأكيد: إنهم من كوكب آخر .
ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 3- 1 -2020
رقم العدد : 17161