الملحق الثقافي-سلام الفاضل:
جاء الفراتي يحمل بذور الثورة العربية، ففاض بالدعاية للعروبة، ونظم القصائد والمقطوعات الكثيرة، يعبر بها عن إحساسه ومراميه، فاشرأبت الأعناق إلى هذا الطراز من الرجال الذين لم يروا مثلهم من قبل، وفي مدة وجيزة أصبح الفراتي زعيم الوطنية والعلم في وادي الفرات، إلى جانب كونه، دون شك، شاعراً من شعراء الدرجة الأولى في ديار الشام، لا يقل عن طبقة صفي الدين الحلي، والبهاء زهير.
ويأتي حديثنا عن الشاعر محمد الفراتي اليوم في معرض الإشارة إلى ما صدر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب من الأعمال الكاملة لهذا الشاعر الثّر، بإشراف لجنة من كبار الشعراء والأساتذة الجامعيين والمعنيين بالتراث، وهم: د. ثائر زين الدين، ود. محمد شفيق البيطار، ود. محمد قاسم، وأ. سِراج جراد، وذلك ضمن خطة الهيئة في إصدار الأعمال الكاملة لأنباه المبدعين السوريين في مختلف حقول الفن والأدب
المولد والنشأة
ولد محمد بن عطا الله بن محمود بن عبود الملقب بـ (محمد الفراتي) في مدينة دير الزور عام ١٨٨٠. تعلّم أولاً في (المدرسة الرشدية)، ثم تلقى علوم المنطق واللغة والفقه من الشيخ حسين العزاوي. في عام ١٩٠٨ سافر الفراتي إلى حلب حيث التحق بمدرسة (العريان)، وأخذ علوم اللغة والأدب والدين من علمائها، ثم ارتحل إلى مصر عام ١٩١١، والتحق بالأزهر، ولقب حينئذ بالشيخ الفراتي، وهنالك تحركت قريحته، فبدأ يكتب قصائد الشوق والحنين إلى أهله وأحبابه.
في عام ١٩١٤ أجيز بالإفتاء والتدريس، ولكنه بقي في مصر ولم يغادرها حتى كانت الثورة العربية عام ١٩١٦، حيث سافر إلى الحجاز ليلتحق بالجيش العربي هناك، وحين شعر بأن الثورة قد حادت عن الطريق، ووشي به، عاد إلى مصر. في مصر شارك الفراتي في الثورة ضد الإنكليز عام ١٩١٩، وفي ذلك الوقت احتل الإنكليز دير الزور، فعاد إلى مدينته ليشارك في بناء المدارس والتعليم ومحاربة الإنكليز.
في عام ١٩٢٢ افتُتحت (ثانوية التجهيز) للذكور، فعُين الفراتي مدرساً فيها، ثم صار مديراً للمدرسة، فكان يحرّض الطلاب على الفرنسيين، فسُرح من التعليم، ليتجه لاحقاً إلى دمشق، ثم إلى العراق حيث وصل بغداد عام ١٩٢٥، فالتحق بمدرسة (الإليانس) مدرساً، وأقام في الموصل، حيث نشر عدداً من القصائد في بعض جرائدها عام ١٩٢٧. في عام ١٩٣٧ عُين معلماً للابتدائي في دير الزور، وما لبث أن أنهيت خدمته لتجاوزه الستين من العمر. مثّل الفراتي سورية في المهرجان التأبيني لخليل مطران عام ١٩٤٩، وعُين في العام نفسه مشرفاً في مكتبة الأوقاف بدير الزور، لتقوم وزارة الثقافة والإرشاد القومي بالتعاقد معه في عام ١٩٥٩ مترجماً من اللغة الفارسية، حيث انتقل وأسرته إلى دمشق فكان من المؤسسين الأوائل للوزارة وعمل فيها حتى عام ١٩٧٤.
توفي محمد الفراتي في ١٧ حزيران عام ١٩٧٨ عن عمر ناهز ثمانية وتسعين عاماً، وحظي في أواخر حياته، وبعد وفاته بنصيب وافر من التكريم الذي يستحقه.
شاعريته: تميز شعر محمد الفراتي بالرقة والتعابير البدوية السهلة المحببة إلى النفس، إلى جانب ما يحمله من جرس لذيذ، ونغم يتضمن في غالب شعره بحري الخفيف والوافر، أما حماسياته فأكثرها من البحر الطويل كي يكون أقدر على ضبط تلك المعاني النارية واستيعابها. طُبع لمحمد الفراتي ديوانان من الشعر، يمثل أولهما وقاره وعفة لسانه وجريه على قاعدة الذين يحترمون أنفسهم من شعراء العربية، أما الثاني فقد أباح فيه الشاعر لنفسه التعابير العارية والأدب المكشوف مما يمجّه ذوق محيط متزمت، فكان فيه جارياً على وتيرة أبي النواس والخليع وحمّاد وأمثالهم. وللفراتي خمريات جيدة، ومقطوعات تصلح للغناء والحُداء والترنيم، وفوق ذلك فإن له أبياتاً ومقطوعات تعد مبتكرة ووحيدة في معانيها.
وتشتمل الأعمال الكاملة للشاعر محمد الفراتي، الصادرة مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب على: (العواصف، والنفحات، وأروع القصص، والهواجس، والكوميديا الإلهية، والنفحات الأولى)، وهي تقع في ٦٥٣ صفحة من القطع الكبير.
التاريخ: الثلاثاء7-1-2020
رقم العدد : 981