الشعب السوري يملك من الوعي والحب ما يكفي لإعادة البناء السلم الأهلي.. ضرورة اجتماعية وثقافية مرافقة

الثورة – لينا شلهوب:

يُطرح السلم الأهلي في كثير من النقاشات السورية وكأنه مفهوم معزول عن الواقع، في حين أن حقيقته تتجسد في القدرة على العيش المشترك ضمن وطن قائم على قيم القانون والعدالة والمواطنة، فالسلم الأهلي ليس مجرد شعار، بل هو حالة ناتجة عن بيئة تتوافر فيها الحقوق والواجبات لجميع المواطنين دون استثناء أو امتياز.

أسس السلم الأهلي

خلال حوار أجرته صحيفة الثورة مع الخبير الاجتماعي خطار عماد، حول رؤيته بأنه: هل القانون وحده يكفي لتحقيق العدالة؟ أم أن هناك حاجة إلى جهود اجتماعية وثقافية مرافقة؟ وحول تفنيده لحقيقة ما يمر من أحداث تطول العديد من الأفكار والمصطلحات، أوضح أن السلم الأهلي لا يتحقق إلا من خلال حرية التعبير، والانتماء لقيم إنسانية تُحترم فيها القوانين، مشيراً إلى أن هذا المصطلح هو نقيض التعصب بكل أشكاله، سواء الديني، الطائفي، السياسي، العائلي، أو الفردي.
القانون العادل هو حجر الأساس، وهو ما يُفترض أن يحكم المجتمع وليس الرغبات والأمنيات.

وتابع حديثه قائلاً: نحن بحاجة إلى دستور عصري، وقوانين منبثقة من عقل جمعي، وأنا كمواطن يترتب على عاتقي صيانة القانون، وصيانة الشأن العام، وصيانة حق الآخرين، أي أن أرى حق الآخرين عبر حقوقي، وعندما تراعى هذه الحقوق يصبح هناك سلم أهلي.

التنوع السوري: ثروة لا تهديد

كيف يمكن تحويل التنوع الديني أو العرقي في سوريا إلى مصدر قوة وليس سبباً للانقسام؟ أجاب الخبير الاجتماعي أن التنوع الديني والإثني والثقافي في سوريا هو من أجمل مظاهر التكوين المجتمعي، فالاختلاف لا ينبغي أن يكون مدعاة للصراع، بل مصدراً للثراء الفكري والاجتماعي والثقافي.

دور الإعلام: بين البناء والهدم

وحول سؤال هل تعتقد أن الإعلام يلعب دوراً إيجابياً أم سلبياً في تعزيز أو إضعاف السلم الأهلي؟ ولماذا؟ لفت الخبير عماد إلى أن الإعلام له قدرة هائلة على تشكيل الرأي العام، وقد يكون أداة للسلام أو وسيلة للدمار، إذ لا يوجد إعلام بريء، حتى “الإعلام الحر” له أهداف وغايات، لذا، فإن مسؤولية أي دولة أن ترعى الإعلام، وأن تصون حرية الكلمة، شريطة أن تُستخدم لخدمة الوطن وليس لتأجيج الانقسام.
كما يجب أن يُنظم الإعلام بقانون واضح يمنع التحريض الطائفي والسياسي، ويحمي الإعلاميين الشرفاء، فالإعلام الوطني هو الذي يقدّم العقل، لا الانفعال، الحوار لا التحريض، البناء لا الهدم.

الشباب بناة المستقبل

وعن دور الشباب في بناء ثقافة سلمية قائمة على الحوار والتفاهم، أوضح أن الحضارة حالة توارث بين الأجيال، وجيل الشباب اليوم هو حجر الزاوية في أي مشروع نهضة، شباب اليوم، الذين وُلدوا في خضم الحروب والانقسامات، يجب أن يُعاد تأهيلهم فكرياً وأخلاقياً، من خلال مؤسسات مدنية وشبابية حقيقية، قادرة على تقديم المعرفة والانفتاح والمبادرة، لا إعادة إنتاج الكراهية والاصطفاف، فالاستثمار في الشباب لا يعني فقط إشراكهم شكلياً في المؤتمرات أو “مقاولات الحوار”، بل توفير أدوات التمكين الحقيقية لهم، من: تعليم، فرص عمل، وحرية تفكير.

المرأة أساس البناء المجتمعي

فيما استطرد بالحديث بعد سؤاله عن المبادرات المجتمعية التي يمكن أن تساهم في إعادة بناء الثقة بين أبناء الوطن، فقال: المرأة هي الأساس، فالمرأة ليست “عورة” كما يصورها البعض، بل هي اللبنة الأولى في بناء الإنسان والمجتمع، إذ لا نهضة حقيقية بدون امرأة متعلمة، واعية، حرة، وأي تهميش لدورها هو تهميش لمستقبل الوطن بأكمله، لذا علينا أن نرتقي بالمرأة كي نرتقي بالمجتمع، فالأم الجاهلة تُنجب جيلاً مشوّه الفكر، أما الأم الواعية فتُنبت حضارة.

التآخي والمصالحة: من اللقاءات إلى الأفعال

وخلال الحوار مع الخبير عماد حول كيفية مساهمة التآخي بين أبناء الوطن الواحد في استقرار المجتمع؟ أشار إلى أن التآخي لا يكون بالخطابات ولا بمؤتمرات عابرة، بل عبر التلاقي الشعبي الحقيقي، مضيفاً أن السوريين أثبتوا، رغم الجراح، أن النسيج الوطني لم يُقطع تماماً، فعندما تستقبل محافظة أبناء محافظة أخرى وتُكرّمهم، وعندما تفتح البيوت من كل مكان، فهذا يعني أن الأساس ما زال حيّاً.
ونوه بأن المصالحة تبدأ بثقة، تُبنى من خلال محاسبة الجناة، وإعادة الاعتبار للضحايا، لا يُطلب من المكلوم أن يسامح قبل أن يرى العدالة تُطبّق، فالتسامح ليس النسيان، بل قرار واعٍ بعد استعادة الكرامة.

ما المطلوب؟

الخطوات الأولى التي يرى الخبير خطار عماد أنها ضرورية لبناء مصالحة وطنية حقيقية، تتمحور بأن المطلوب لكي تسير المركب، أولاً إصلاح دستوري وقانوني شامل، عبر دستور يمثّل جميع السوريين، وقانون عادل لا يُقصي ولا يُجامل، ثانياً مواطنة لا مذهبية، إذ إن الإنسان السوري هو أساس الدولة، وليس انتماؤه الديني أو العرقي، كذلك عدالة انتقالية حقيقية، إذ لا يمكن للسلام أن يُبنى على ظلم أو إنكار،

ناهيك عن إعلام حر ومسؤول: إعلام وطني يُعلي قيم الحوار لا الكراهية، بالإضافة إلى تمكين الشباب والمرأة: تعليم، تنمية، مشاركة فعالة في كل المجالات، كذلك لا بد من توطيد ثقافة التسامح والمحاسبة: لا تسامح دون حساب، ولا حساب دون قانون.

سوريا التي نريد

سوريا ليست دولة عادية، بل هي قصة حضارة ضاربة في جذور الإنسانية، من أبجديتها الأولى انطلقت البشرية، وعلى أرضها سار الأنبياء، وتقاطعت الحضارات، لذلك، فإن القيم التي تُبنى عليها سوريا الجديدة يجب أن تكون بمستوى هذا التاريخ: المحبة، التآخي، القانون، والمواطنة.
قد تكون اللحمة الوطنية تضررت، لكن جوهرها لا يزال نابضاً، الشعب السوري يستحق أكثر مما يعاني، ويملك من الحب والوعي ما يكفي لإعادة البناء، إن وُجدت الإرادة.
من هنا يجب علينا أن ننبذ الأفكار غير المنطقية، وندع العقل المنفتح أن يكون سيد الموقف، ونلفظ حالة التشرذم الطائفي، والتشرذم الفكري.

آخر الأخبار
الادعاء العام الألماني يوجّه اتهامات لخمسة أشخاص بارتكاب جرائم حرب في مخيم اليرموك زيارة رسمية لوزير الداخلية إلى تركيا لتعزيز التعاون الأمني وتنظيم شؤون السوريين تراشق التصريحات بين واشنطن وموسكو هل يقود العالم إلى مواجهة نووية؟ من البراميل والطائرات إلى السطور والكلمات... المعركة مستمرة تعددت الأسباب وحوادث السير في ازدياد.. غياب الحلول يفاقم واقع الحال المحميات البحرية.. حاجة ماسة لإنقاذ الحياة البحرية السورية الشعب السوري يملك من الوعي والحب ما يكفي لإعادة البناء السلم الأهلي.. ضرورة اجتماعية وثقافية مرافقة بحث تفعيل عمل الرقابة والتفتيش بدرعا الطلب ينعش الأسواق بعد ضخ الرواتب.. استهلاك أكثر عرض أقل مواقع خلابة تنتظر من يستثمرها.. هل ينتعش النشاط السياحي بدرعا من جديد؟ باراك يدعو إلى الحوار ويفتخر بدور بلاده في الوساطة بسوريا.. "السلام ممكن والدبلوماسية سبيله" الوفد التقني السوري في ليبيا يمهّد لافتتاح السفارة ويباشر تقديم الخدمات للجالية هل تستطيع إسرائيل تحمل خسارة الدعم الغربي؟ اليونيسف: حياة أكثر من 640 ألف طفل في خطر جراء الكوليرا شمال درافور الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس بديلاً عن إنهاء الفظائع في غزة عون في ذكرى تفجير مرفأ بيروت: الحساب آت لامحالة إجازات الاستيراد أحد الخيارات.. كيف السبيل لطرد البضاعة الرديئة من الأسواق؟ حلب تكثف حملاتها لضبط المخالفات وتنظيم السير محلل اقتصادي لـ"الثورة": الحاجة لقانون يجرم التهرب الضريبي تجهيز بئر الخشابي لسد نقص مياه الشرب بدرعا البلد