فرضية خلود الفن

 الملحق الثقافي:

لعقود من الزمان، كانت الثقافة الغربية مترددة في تحديد قيمة متأصلة أو غرض للفن – حتى مع استمرارها في الحفاظ على الفن بتقدير كبير. على الرغم من أننا لم نعد نشعر بالراحة عند قول ذلك، إلا أن تقديسنا للفن يجب أن يرتكز على فرضية خالدة: هذا الفن مفيد لنا. إذا لم نؤمن بذلك، فإن التزامنا بالمال والوقت والدراسة ليس له معنى. بأي طريقة قد يكون الفن جيداً بالنسبة إلينا؟ الجواب، هو أن الفن أداة علاجية: تكمن قيمته في قدرته على حثنا وإعجابنا وتوجيهنا نحو طرق أفضل ولمساعدتنا على عيش حياة أكثر ازدهاراً، فردياً وجماعياً.

 

إن هذه الفكرة أمر مفهوم اليوم، لأن «العلاج» أصبح مرتبطاً بأساليب مشكوك فيها، أو على الأقل غير مفيدة، لتحسين الصحة العقلية. إن القول بأن الفن علاجي لا يعني الإشارة إلى أنه يشارك طرق العلاج بل الطموح الأساسي: مساعدتنا على التعامل بشكل أفضل مع الوجود. بينما يبدو أن -هناك عدة طرق سائدة للتفكير في الفن تتجاهل أو ترفض هذا الهدف، إلا أن ادعاءها النهائي علاجي أيضاً.
تبقى قدرة الفن على الصدمة بالنسبة إلى البعض مصدراً قوياً لجاذبيته المعاصرة. نحن ندرك أننا، فردياً وجماعياً، قد نشعر بالرضا؛ الفن يمكن أن يكون قيماً عندما يصدمنا أو يذهلنا. الصدمة يمكن أن تفعل القليل بالنسبة إلينا، على الرغم من ذلك، نسعى إلى تعديلات أخرى على مزاجنا أو تصوراتنا. قد نكون مشلولين بسبب الشك والقلق ونحتاج إلى طمأنة حكيمة؛ قد نضيع في متاهة التعقيد ونحتاج إلى التبسيط؛ قد نكون متشائمين للغاية ونحتاج إلى التشجيع. الصدمة ترضي أتباعها في افتراضها أن مشكلتنا الأساسية هي الرضا عن النفس.
نحن نقدر المعلومات التاريخية لأسباب مختلفة: لأننا نريد أن نفهم المزيد عن أسلافنا وكيف عاشوا ولأننا نأمل في الحصول على نظرة ثاقبة من هؤلاء الناس والثقافات البعيدة. لكن هذه الجهود تقود في النهاية إلى فكرة واحدة: أننا قد نستفيد من لقاء مع التاريخ كما ظهر في الفن. بمعنى آخر، لا ينكر النهج التاريخي أن تكون القيمة الفنية علاجية في نهاية المطاف – إنها تفترض ذلك، حتى لو كانت تميل إلى نسيان أو رفض هذه النقطة.
إذا اتفق المرء مع هيجل على أن الفن هو العرض الحسي للفكرة (أو المثالية)، يبقى أن نوضح طبيعة مشكلاتنا أو تطلعاتنا، مثل هذا الفن الذي نحتاجه؟
الأطروحة العلاجية ليست مجرد فكرة أخرى عن قيمة الفن. إنها تضم المنطقة الوحيدة التي يمكن فيها شرح هذه القيمة: قدرة الفن على تحسين حياتنا. الفن يمكن أن يكون: تصحيحياً للذاكرة السيئة: الفن يجعل ثمار الخبرة لا تنسى ومتجددة. إنها آلية للحفاظ على رؤية أفضل في حالة جيدة وجعلها في متناول الجمهور.
إنه محفز على الأمل: يحافظ الفن على الأشياء اللطيفة ويواسينا، مما يبعدنا عن اليأس.
إنه مصدر للحزن الكريم: الفن يذكرنا بمكان الحزن الشرعي في حياتنا، حتى نتعرف على الصعوبات التي نواجهها كعناصر لأي وجود نبيل.
إنه عامل موازنة: يشفر الفن بوضوح غير عادي جوهر صفاتنا الجيدة؛ إنه يساعدنا في إعادة توازن طبيعتنا وتوجيهنا إلى أفضل إمكانياتنا.
إنه دليل معرفة الذات: يمكن أن يساعدنا الفن في تحديد ما هو أساسي في الحياة ولكن يصعب وضعه في الكلمات. الفن البصري يساعدنا على التعرف على أنفسنا.
إنه دليل لتوسيع نطاق الخبرة: الفن هو تراكم متطور للغاية من الخبرة، قدم لنا في أشكال منظمة تنظيماً جيداً. يمكننا سماع أصوات الثقافات الأخرى، وتوسيع أفكارنا عن أنفسنا والعالم. في البداية، يبدو الكثير من الفن مجرد «الآخر» – لكننا اكتشفنا أنه يحتوي على أفكار يمكننا صنعها الخاصة بنا بطرق تثرينا.
إنه أداة لإعادة التوعية: الفن ينقذنا من تجاهلنا المعتاد لما هو حولنا. نستعيد حساسيتنا وننظر إلى المألوف بطرق جديدة. يتم تذكيرنا بأن الجدة والسحر ليسا الحل الوحيد.
فكرة أن قيمة الفن يجب أن تفهم من الناحية العلاجية ليست جديدة. في الحقيقة، إنها الطريقة الأكثر ديمومة للتفكير في الفن، حيث تعود جذوره إلى تأملات أرسطو الفلسفية في الشعر والدراما. في الشعر، جادل أرسطو أن الدراما المأساوية يمكن أن ترفع من مستوى شعورنا بالخوف والشفقة – عاطفتان تساعدان في تشكيل تجربتنا في الحياة. إن المعنى الضمني الواسع هو أن مهمة الفن هي مساعدتنا على الازدهار، لنكون «فاضلين»، بالمعنى الخاص لهذه الكلمة الأرسطوية: أي أن تكون جيداً في الحياة، حتى في الظروف الصعبة.
كان هذا الفهم للفن معلقاً في العقود الأخيرة، لكنه، الطريقة الوحيدة المعقولة للتفكير في قيمة الفن. إن التفكير في الفن من وجهة نظر علاجية، لا يعني التخلي عن العمق بل احتضانه وإعادة الفن إلى مكانة مركزية في الثقافة الحديثة والحياة الحديثة.

    التاريخ: الثلاثاء4-2-2020

رقم العدد : 985

آخر الأخبار
الصحة النفسية ركيزة الرفاه الإنساني  حملة "فسحة سلام" تختتم مرحلتها الأولى  بفيلم "إنفيكتوس"   قادمة من ميناء طرابلس..الباخرة "3 TuwIQ" تؤم  ميناء بانياس "الزراعة الذكية"  للتكيّف مع التغيرات المناخية والحفاظ على الثروات   "التربية والتعليم": مواءمة التعليم المهني مع متطلبات سوق العمل إجراءات خدمية لتحسين واقع الحياة في معرّة النعمان من قاعة التدريب إلى سوق العمل.. التكنولوجيا تصنع مستقبل الشباب البندورة حصدت الحصّة الأكبر من خسائر التنين في بانياس  دعم التعليم النوعي وتعزيز ثقافة الاهتمام بالطفولة سقطة "باشان" عرّت الهجري ونواياه.. عبد الله غسان: "المكون الدرزي" مكون وطني الأمم المتحدة تحذِّر من الترحيل القسري للاجئين السوريين الجمعة القادم.. انطلاق "تكسبو لاند" للتكنولوجيا والابتكار وزير العدل من بيروت: نحرز تقدماً في التوصل لاتفاقية التعاون القضائي مع لبنان "الطوارئ" تكثف جهودها لإزالة مخلفات الحرب والألغام أردوغان: اندماج "قسد" بأقرب وقت سيُسرّع خطوات التنمية في سوريا "قصة نجاح".. هكذا أصبح العالم ينظر إلى سوريا علي التيناوي: الألغام قيد يعرقل عودة الحياة الطبيعية للسوريين مدير حماية المستهلك: تدوين السعر مرتبط بالتحول نحو مراقبة السوق الرابطة السورية لحقوق اللاجئين: مخلفات الحرب تعيق التعافي "تربية حلب" تواصل إجراءاتها الإدارية لاستكمال دمج معلمي الشمال