الملحق الثقافي: عقبة زيدان:
إن أفلاطون، بما يملك من جرأة في طرح آراء يعتبرها ناجزة ونهائية، قد وضع حداً لكل فكرة متجاوزة وشيطانية، إذ صبغ كل ما هو جميل بصبغة «المثل»، ونسب كل ما هو متفوق لمثله الذي أراده. إن المثل أو المثال غير الموجود، كان الصيغة الأفلاطونية الأساسية، الصيغة الأكثر إعجازاً وبعداً عن الوصول إليها. وفي الوقت نفسه أرجع الحس إلى الدرجة الثانية، وهو ناتج عنده عن المثل أيضاً.
تقضي الحكمة بعظمة الإنسان وليس بعبوديته، بتجاوزه وليس بتقييده. وفي المقابل فإن الأفلاطونية ألغت وجود الإنسان كإنسان، ونسبته إلى شيء، لم تستطع لا الأفلاطونية ولا السقراطية، أن تعرف كيف يفكر وكيف يحس، ولا نوع الموسيقى التي يحبذها أو أي نوع من المنحوتات يحب.
أعلنت الحكمة الأفلاطونية، ومنذ اللحظة الأولى، تحييد الإنسان ككائن فاعل. ولكي يقضي أفلاطون على آخر أمل في قدرة الإنسان على التطور والتقدم، فقد أرجع كل المخزون العلمي الإنساني – الرياضي طبعاً – إلى مرحلة ما قبل ميلادنا، أي قبل أن نوجد حتى. وهكذا يبدو العلم مجرد حقيقة تمتعت بها النفس تمتعاً كاملاً قبل أن نكون نحن موجودين.
لم يستطع أفلاطون أن يخبرنا أي شيء عن العالم المثالي، وعن سادته، رغم أنه حشد فيه كل ما يميز الإنسان كقوة عاقلة وكجسد. إذاً، كيف يمكن لحكيم يوناني أن ينسب كل الفضائل والعظائم لعالم لم يره ولا يدرك ماهيته؟
الشيء الأكثر هولاً، رغم كل الانزياح الأفلاطوني، أن وايتهيد – هذا الرجل الرزين والرياضي المذهل – وجد أن كل الفلسفة الحديثة هي حواش على أفلاطون.؛ أي أننا في مأزق فلسفي كبير.
التاريخ: الثلاثاء18-2-2020
رقم العدد : 987