ما المطلوب من أدب الأطفال في زمن الحرب؟

 

يؤدي أدبُ الأطفال بأجناسه كافّةً دوراً كبيراً في تعزيز كثيرٍ من القيم في نفس الطِّفل، منها التربويُّ والسلوكيُّ والأخلاقيُّ والمجتمعيُّ والفنيُّ الجماليّ، ويُسهمُ في بناء شخصية الطِّفل على نحوٍ سليم، فهو يُمِدُّهُ بالثقافة الغنية الشاملة، ويُحرِّضُ فيه التَّذوُّقَ الفنيَّ الجماليّ، ويُنمِّي ملكاتِهِ العقليةَ والإدراكية والذهنية، ويُخصِّبُ طاقةَ الخيال الخلّاق لديه، ويستثيرُ المواهبَ المتنوعةَ الكامنة في داخله، ويُعزِّزُ الصِّلاتِ بينَهُ وبينَ ذاتِهِ أوّلاً، والمجتمع ثانياً، والعالم من حوله ثالثاً، في سبيلِ فهمٍ شاملٍ للكون عموماً بوصفِهِ جُزءاً منه، كلُّ ذلكَ يحدثُ معَ التسليم بأنَّ هذا الأدبَ حقيقيٌّ قد أُنجزَ على أسسٍ صحيحةٍ مع مراعاتِهِ المراحلَ العُمريّةَ المُتنوّعة للطُّفولة وخُصوصيّةَ كُلٍّ منها في إطارِ عمليةٍ إبداعيةٍ حقيقيةٍ متواصلة.
وفي زمنِ الحرب، كالّذي عشناهُ ونعيشُهُ في وطنِنا الحبيب سورية، تزدادُ المسؤوليّاتُ المُلقاةُ على الأدبِ المُوجَّهِ إلى الطفل، وتَتعمّقُ، فالطِّفلُ في زمنِ الحرب حالةٌ إنسانيّةٌ خاصّةٌ، تحتاجُ إلى عنايةٍ خاصّةٍ، فهو قد رأى وعايشَ كثيراً من الأهوال والمآسي والفجائع والحرمانات، وأصبحَ في افتقارٍ شديدٍ إلى حاجاتٍ كثيرة، لعلَّ أهمّها حاجته الماسّة إلى الشعور بالأمن والسلام والطمأنينة والسعادة، مِن هُنا فإنّ على الأدب المُوجَّه إلى الطفل في هذه المرحلة أن يُلبِّيَ هذهِ الحاجةَ لدى الطفل على أتمِّ وجهٍ، وأن يُوظِّفَ طاقاتِهِ كُلَّها في سبيلِ دعمٍ نفسيٍّ حقيقيٍّ للطفل، وفي سبيلِ إعداد هذا الطفلِ ليتعافى، وينهضَ من جديد، ويُتابعَ حياتَهُ بصورةٍ نفسيةٍ سليمة وبشخصيةٍ مُعافاةٍ تكونُ قادرةً على العطاء، كيف لا وهو زهرةُ الوطن وأملُ مستقبله؟!
لقد فهمَ بعضُ الأدباء الذين يكتبونَ للطفل أنّ الكتابةَ للطفل في زمنِ الحرب تعني أنْ نُصوِّرَ لهُ الواقعَ بمآسيهِ كافّةً كما هو، وأن نُقدِّمَ لهُ بعضَ صُورِ المعاناة المرعبة والمُؤثِّرة، فتَراهُم يكتبونَ عمّا حلَّ في بُقَعٍ مِنَ البلادِ مِن دمارٍ وخرابٍ، وعمّا ذهبَ من ضحايا، وسُفِكَ من دماءٍ، وذُرِفَ من دموعٍ… وهم يحسبونَ أنّهُم بذلكَ إنّما يَصْدُقُونَ الطِّفلَ، ويَضعُونَهُ في الصورة الحقيقية لما يجري باعتباره – كما هو مُتعارَفٌ عليه خطأً – رجلاً صغيراً عليهِ أن يعيَ ما يجري ويحتملَهُ، كما يعيه الكبارُ ويَحتملونَهُ، معَ العلم أنّ الدِّراسات النفسيّة والتربوية تُلحُّ دائماً على أنّ الطِّفلَ عالمٌ مُستقلٌّ بذاته لهُ صفاتُهُ وثقافتُهُ ولغتُهُ وقيمُهُ وطريقةُ التعامل الخاصّة معه. أفلا يكفي الطفل ما عاشَهُ في سنواتِ الحرب من فقدٍ وألمٍ وخوفٍ وحرمان حتّى يأتي بعضُ الأدباء الّذي يكتبونَ للأطفال ليزيدوا الطِّينَ بلّةً بنُصوصٍ يَضعُونَها بينَ يدي الطفل تزيدُ الواقعَ في عينيه قتامةً؟! ولعلّهمُ لمّا كتبُوا هذه النُّصوصَ إنّما كانوا يكتبونَ لأنفسهم أو للكبار مِن حولهم، وهم يَظنُّونَ أنَّ الطِّفلَ معنيٌّ بما يكتبون.
إنّ أدبَ الأطفال الأجدى بأنْ نُقدِّمَهُ للطِّفل في زمن الحرب، هو ذلكَ الأدبُ الذي يأخذُ بيدِ الطِّفل للنُّهوض من جديد، ويزرعُ في داخلِهِ صُوراً مشرقةً وأملاً بحياةٍ قادمةٍ أفضل، ويُعزِّزُ لديهِ أنّهُ قادرٌ على تجاوز ما مضى ومُتابعة المسير في اتّجاهِ المستقبل الحافل بالأبهى والأنقى، كما يُعزِّزُ لديهِ قيمَ حُبِّ الوطن والدِّفاع عنه والتَّضحية لأجلهِ والشّهادة في سبيله، كلُّ ذلك بأسلوبٍ فنّيٍّ لطيفٍ وبعيدٍ عن أيِّ صورةٍ من صور العُنف والرُّعب والفقد والمأساة وما إلى ذلك، كما يُلبِّي للطفلِ حاجتَهُ إلى الشُّعور بالأمن والسلام والطمأنينة والسعادة، هذهِ الحاجة التي طالما افتقدَها في سنوات الحرب.
إنّ القصّةَ أو القصيدةَ أو المسرحيةَ التي تنظرُ كلٌّ منها إلى النِّصف الملآن من الكأس لَهِيَ مفيدةٌ للطفلِ في زمنِ الحرب، وقادرةٌ على مَدِّهِ بمزيدٍ من القوة والعزيمة ليُتابعَ حياتَهُ من جديدٍ وكُلُّهُ أملٌ بالمستقبل، وهذا هو المطلوبُ من أدب الأطفالِ في زمنِ الحرب أنْ ينظرَ إلى النِّصفِ الملآن من الكأس، إلى الشَّمسِ المُطِلّة على استحياءٍ من بينِ الغيوم، إلى القمرِ الذي يلوحُ بريقُهُ من خلفِ السُّحب، فالطفلُ بطبيعتِهِ طاقةٌ من الحيويةِ والأمل والفرح علينا أن نُحافظَ على تَوهُّجِها أكثر فأكثر، فهو فرحةُ حاضرنا وأملُ مستقبلنا.
قحطان بيرقدار

التاريخ: الخميس 20 – 2 – 2020
رقم العدد : 17197

 

آخر الأخبار
سوريا تشارك في الاجتماع العربي السابع للحد من الكوارث بخطة وطنية دمشق تُعيد رسم خارطة النفوذ..  قراءة في زيارة الشرع إلى روسيا الاتحادية وزير الطوارىء: نحن أبناء المخيّمات..نسعى لإعمار وطنٍ يُبنى بالعدل أوضاع المعتقلين وذوي الضحايا .. محور جولة هيئة العدالة الانتقالية بحلب بعد تحقيق لصحيفة الثورة.. محافظ حلب يحظر المفرقعات تخفيض الأرغفة في الربطة إلى 10 مع بقائها على وزنها وسعرها محافظة حلب تبحث تسهيل إجراءات مجموعات الحج والعمرة  جلسةٌ موسّعةٌ بين الرئيسين الشرع وبوتين لبحث تعزيز التعاون سوريا وروسيا.. شراكةٌ استراتيجيةٌ على أسس السيادة بتقنيات حديثة.. مستشفى الجامعة بحلب يطلق عمليات كيّ القلب الكهربائي بحضور وفد تركي.. جولة على واقع الاستثمار في "الشيخ نجار" بحلب أطباء الطوارئ والعناية المشددة في قلب المأزق الطارئ الصناعات البلاستيكية في حلب تحت ضغط منافسة المستوردة التجربة التركية تبتسم في "دمشق" 110.. رقم الأمل الجديد في منظومة الطوارئ الباحث مضر الأسعد:  نهج الدبلوماسية السورية التوازن في العلاقات 44.2 مليون متابع على مواقع التواصل .. حملة " السويداء منا وفينا" بين الإيجابي والسلبي ملامح العلاقة الجديدة بين سوريا وروسيا لقاء نوعي يجمع وزير الطوارئ وعدد من ذوي الإعاقة لتعزيز التواصل عنف المعلمين.. أثره النفسي على الطلاب وتجارب الأمهات