الملحق الثقافي:إعداد: رشا سلوم:
منذ أ ن رحل سهيل زكار وثمة استعادة لما قاله حول قراءاته التاريخية، والعمل على تقديم حواراته التي كانت بمثابة الضوء على الكثير من النقاط الممهمة في حياته الفكرية والعملية، وربما اتكأ الكثير مما كتب عنه على حوار طويل وشائق أجرته معه جريدة الثورة السورية منذ أكثر من عقد من الزمن وتوقف فيه عند كل المحطات التي تقدم كواليس العمر، وتشرح رحلته من الطفولة إلى حين إجراء الحوار. وبغض النظر عما عاناه في شبابه من فقر وحاجة، نقف عند محطات العطاء العلمي التي تهمنا، واتكاء على الحوار الذي أجرته جريدة الثورة، كما أسلفنا.
في مدينة الضباب
أواخر عام 1964م سافرت إلى لندن وصلتها وأنا لا أعرف اللغة الإنكليزية كانت معلوماتي متدنية في الإنكليزية، ولم أكن أعرف أحداً هناك على الإطلاق، ومرت أيام صعبة علي. وأخيراً وجدت غرفة عند الجيران، وفي الوقت نفسه انتسبت إلى مدرسة (ديفيزسكول) لتعلمي الإنكليزية وذهبت إلى الجامعة والتقيت رئيس قسم التاريخ بأسوأ صهيوني ومستشرق هو برنارد لويس، قال لي: عليك أن تتعلم اللغة الإنكليزية. وعدت من الجامعة من أجل اللغة الإنكليزية. أثناء ذلك تعرفت على شاب سعودي دلني على بعض الخطوات ثم بدأت رحلة العمل الدؤوب. صرت أداوم صباحاً في المدرسة الخاصة وفي المساء أذهب إلى مدرسة تابعة للبلدية. وخلال شهر أصبحت اقرأ وأتكلم الإنكليزية، وكنت قد قررت أن أحفظ (معجم إنكليزي-إنكليزي) واستفدت من ذلك كثيراً واستفدت أيضاً من قراءة ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية. بعد هذا الشهر ذهبت إلى الجامعة والتقيت ثانية (لويس) الذي اندهش لذلك وطلب مني أن أخطو الخطوة الثانية.
من أجل الحقيقة
طلب مني لويس أن أعمل على معادلة شهادتي، وكنا عدداً من الطلبة تحت إشراف موجه بريطاني، وقد خضعنا للتدريبات، واصطدمت بهذا الموجه مراراً لأنه كان يقدم لنا معلومات غير صحيحة فشكاني إلى رئيس القسم فاستدعاني وسألني لماذا حصل هذا?
فقلت له بهدوء: يحاول أن يعلمنا خطأ. وأوضحت له بعض الأمور. فسألني: ما هو عملك؟ فقلت له: معيد موفد. وسألني هل لك كتب فقلت له: أكتب الدراسات وقد حققت كتابي خليفة ابن خياط. فرد مندهشاً: وهل تم العثور عليهما? فأجبت واحد في دمشق والآخر في المغرب. وأنا عندي بعض الملازم مما طبع وسأعرضها عليك. أتيت بها في اليوم التالي، وطلب مني أن أكتب مقالاً عن خليفة ابن خياط للموسوعة الإسلامية، وخلال ثلاثة أيام كتبت المقال. وبعد ذلك طلب مني أن أراه بعد المحاضرات، وقال: أنت لديك إعفاء، سألته: مم؟ فأجاب: أنت لا تحتاج إلى فحص المعادلة وهذا قرار مجلس الجامعة. سجل الماجستير مباشرة. وبالفعل بدأت بالعمل على الماجستير.
-وما موضوع رسالة الماجستير…?
–كان الموضوع حول إمارة حلب في القرن الحادي عشر للميلاد أي الموافق للقرن الخامس الهجري. وأثناء متابعة الدراسة بدأت رحلة قادتني إلى تركيا وإيطاليا وفرنسا للحصول على المخطوطات وكذلك إسبانيا، ثم تابعت الدكتوراه وكنت منذ منتصف عام 1969م جاهزاً للمناقشة لكن كان علي الانتظار ستة أشهر حتى تعود الأستاذة (هسة) من اليونان حيث كانت أستاذة زائرة. بعد المناقشة أوصت اللجنة بطباعة الرسالة.
بعد ذلك عرض علي لويس البقاء والتعاقد معي، فاعتذرت عن ذلك لأنني آت للدراسة من أجل وطني. ومنذ ذلك الحين أعمل بالتدريس وقد درست في لبنان وأعرت إلى المغرب لمدة 3 سنوات استفدت منها فائدة علمية كبيرة، وبعد ذلك صارت لي جولات إلى البلدان العربية ولم أسافر إلا في زيارات قصيرة. وفي 1971 تزوجت واستقرت الأمور.
تبدلت الأمور
بعد الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد تبدلت الأمور في سورية إذ استقرت الاوضاع وبدأ النشاط العلمي الحقيقي، وبدأت أشارك في الندوات والمؤتمرات العلمية, ولا بد لي أن أشير إلى أنه جمعتني بالقائد الراحل علاقة جميلة.
-ما هي هذه العلاقة?
–الرئيس الراحل حافظ الأسد كان عظيم الاهتمام بالتاريخ، وفي اثناء تطلعاتي العلمية وجه للمرة الاولى بطباعة كتاب (بغية الطلب في تاريخ حلب) لابن العديم في 12 مجلداً.
مشروع العمر
وفي عام 1991 م وافق على مشروع العمر وهو إخراج كتاب كبير في تاريخ الحروب الصليبية. ومنذ ذلك الحين وأنا أعمل في طباعة ذلك الكتاب، ويخيل إلي أنه أوسع وأشمل كتاب من نوعه في أي لغة في العالم، إذ سيضم 45 ألف صفحة، وقد تأتي هذه الصفحات ما بين 90 إلى 95 مجلداً حسب حجم الفهارس، وأنا الآن قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء منه.
وأثناء الانصراف لهذا المشروع الكبير حافظت على الاتصال المباشر بالقراء، فأخرجت عدداً كبيراً جداً من الكتب المحققة والمترجمة ربما من حيث الحجم أكثر من حجم الموسوعة. ولعل ما صدر لي حتى الآن اكثر من 260 مجلداً، وما زلت أدرس وأعمل مشدوداً وراء المكتب، وتطورت محتويات مكتبتي وأتابع القراءة بالعربية وغيرها، وأماشي العصرنة.
وعن لجنة إعادة كتابة تاريخ العرب وهي في جامعة دمشق وماذا حل بها..
أجاب د. زكار قائلاً:
تعلم أنه منذ أكثر من 30 سنة واللجنة موجودة وقد اقتصر عملها لأسباب كثيرة على إخراج مجلة (دراسات تاريخية) ولكني أقول إن اللجنة يجب أن تخطو خطوة نوعية أواخر تشرين الأول هذا العام إذ سوف يعقد مؤتمر عالمي عن دمشق في التاريخ، ولحسن الحظ أن هذا المؤتمر سيكون مقدمة صالحة لاختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية لعام 2008م.
نعم لست متفائلاً بأن ننتج تاريخاً للأمة العربية، هناك محاولة محدودة في المنظمة العربية للثقافة والتربية في تونس لإخراج مجلدات في تاريخ الأمة العربية، وقد كان لي على هذا العمل ملاحظات علمية أبلغتها للعاملين في هذا المشروع. وأود أن أقول إنه لدي مشروع أن أكتب وفق طرائق جديدة، وفق مقاييس القرن الحادي والعشرين دون الاستغناء عن الماضي. أن أكتب في هذا التاريخ، وهذا إن شاء الله بعد أن أنتهي من الموسوعة هذا العام، وأبدأ بحلم العمر.
-كيف يقرأ زكار ما يجري الآن على ساحة الجنوب اللبناني?
— إن ما يجري الآن مهم جداً، وكأنه عودة لعام 1948. لقد ظلت مواقف الدول العربية وللأسف هي هي. وإقول إنه للمرة الأولى يشعر داخل إسرائيل بمرارة الحرب التي عشناها نحن طوال نصف قرن. سيكون لهذا الحدث نتائج خطيرة وهو يفتح باباً جديداً ويفرض حقائق جديدة على الأرض، إسرائيل قامت بقوة السلاح وهي اليوم تهزم بقوة المقاومة، وما أشبه معارك اليوم بدروس حطين. لقد ذاقت إسرائيل مرارة الهزيمة في حرب تشرين التي قادها القائد الراحل حافظ الأسد وفي حرب الاستنزاف.. إسرائيل ومن ورائها من يدعمها ما زالت تستهدف دمشق، لكن لن تكون دمشق لقمة سائغة المذاق، ينبغي الآن إعادة النظر بكل القضية الفلسطينية. لقد رضي العرب بالأرض مقابل السلام، ثم أرادت إسرائيل السلام مقابل الأرض. على العرب أن يقولوا الآن للإسرائيليين: عليكم أن ترحلوا من حيث أتيتم. ونهاية إسرائيل ستكون كنهاية الصليبيين إن لم تكن اسوأ، والأمر في أساسه يعتمد على تماسك بلاد الشام وهي لا تزال صامدة وستبقى.
-لماذا لا يتعظ الأمريكيون من دروس التاريخ?
— نغالط أنفسنا عندما نقول يتعظون، لأننا نجهل السياسة الأمريكية والنظام الاقتصادي الأمريكي. هم يظنون أنفسهم سادة العالم؛ لذا يريدون أن يقرروا له كيف يأكل ويشرب وينام ويلبس ويعمل، بل إنهم يريدون أن يحددوا نوع القبلة بين الرجل والمرأة. وأود أن أقول إن مصطلح الشرق الأوسط الجديد هو ذاته مفهوم ما وراء البحر الذي طرح أيام الحروب الصليبية.
لكنني متفائل بالإنسان العربي الجديد، بالمسلم الجديد المتوكل على الله، فالله يحرس الشام والنصر قريب. إسرائيل أنشأت دولتها وهي تؤمن بـ ( يهوه) إله الزوابع ونحن نؤمن بالله جلت قدرته.
من مؤلفاته: أخبار القرامطة، مدخل إلى تاريخ الحرب الصليبية، ماني والمانوية، مختارات من كتابات المؤرخين العرب، إمارة حلب في القرن الحادي عشر الميلادي، الإعلام والتبيين في طروح الفرنج الملاعين، الانحياز، موسوعة الحروب الصليبية، تاريخ العرب والإسلام، تاريخ يهود الخزر.
التاريخ: الثلاثاء10-3-2020
رقم العدد : 990