العدوان التركي العسكري على الأراضي السورية هو الرابع، تحت شعار «الميثاق الملي التركي» الذي يمتد من الموصل إلى إدلب، تحقيقاً للحلم التاريخي العثماني الذي يستدعي التاريخ، لكنه يلعب خارجه، وفي ظروف ومتغيرات في موازين القوى لم تعد تسمح له حتى بالحلم، فهذا الكائن لا يستطيع أن يقاتل إلا من منطلق إيديولوجيته الإخوانية، التي قلبت معارضة الداخل عليه.
وتحت عنوان: «درع الربيع» أدخل أردوغان ما يناهز الـ 15 ألف عسكري، وعوّل على دعم الحلف الأطلسي له، وتحييد روسيا، وفي ظنه أنّ الجيش العربي السوري بات منهكاً
بعد 9 سنوات من المعارك المتواصلة، ولن يقوى على الصمود، لكن خيبة أمله كانت كبيرة جداً، جعلته في حالة هستيرية بعد أن لقنه الجيش العربي السوري وحلفاؤه درساً جعله يدرك أن كل ما يفعله ليس إلا جنوناً لن يحصل بعده على أي مكسب جغرافي أو اتفاقيات جديدة مع روسيا، ولن يحصد سوى الرفض من أوروبا التي يهددها بالنازحين.
قد يكون أردوغان قد قاسَ عملية «درع الربيع» الجديدة على عمليات «غصن الزيتون» أو «درع الفرات» أو «نبع السلام» السابقة التي نفذها على الأرض السورية، لكنه هنا أخطأ الحساب. ففي تلك السابقات كان يواجه عصابات انفصالية إرهابية لا تملك المشروعيّة ولا القوّة، ومع ذلك كانت تعرقل تقدّمه، وتوقع في تشكيلاته بعض الخسائر وتجعل من التنفيذ مكلفاً وفي سقف أدنى من المطلوب تركياً، أما عمليته الرابعة هذه فكلّ ما فيها مختلف.
إن أردوغان يواجه في سورية محور المقاومة برمّته، وقد كان لافتاً بيان المركز الاستشاري الإيراني في دمشق الذي أضاء على طبيعة معركة إدلب ومنطقتها بين الأتراك وجبهة الدفاع عن سورية، فلقد شاءت إيران اليوم وعلانية أن تقول لأردوغان أنت تواجهنا، ويعني أن من حقها الرد عليه. ولهذا شاركت وأعلنت أنّ الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني هما في الميدان جنباً إلى جنب مع الجيش العربي السوري.
أما طلبه من روسيا بالبقاء بعيداً عن المعركة فهو طلب لم يلق آذاناً مصغية، فلروسيا مصالح في سورية أكبر من تلك المصالح التي تربطها بتركيا، وكان واضحاً أن بوتين خرج من المنطقة الرمادية عندما قال لأردوغان: «لم نكن نعرف أنك موجود هناك «بمعنى أنه اتهمه بخرق الاتفاقيات وتجاوز الخطوط الحمر.
إن بوتين مازال يريد الحفاظ على علاقته بتركيا لكن بشروطه وتبعاً لمصالح روسيا. ولا يمكنه أن يصل إلى حدّ التخلي عن سورية ووقف دعمها التي تتعلق بأهداف ذات صلة بالأمن القومي الروسي، ولا يفاوض عليها مع أحد. ولذلك ألزم أردوغان بهدنة لوقف إطلاق النار لم تكن إلا فرصة لمراجعة حساباته.
ويبقى الدعم الغربي المعوّل عليه تركياً، والذي يلجأ أردوغان للابتزاز من أجله بلعب ورقة النازحين السوريين لديه، فكانت النتيجة أنه استعدى دول الاتحاد الأوروبي بعد أن قذف على حدود اليونان آلاف المهاجرين ونشر جيشه لمنعهم من العودة. وهذا ما لن تسمح به أوروبا التي ذاقت الأمّرين من عودة الإرهابيين الذين أرسلتهم إلى سورية.
نرى أنّ جنون أردوغان لن يُنبت مكاسب له، ولن يمكنه من حصاد يرضيه سوى الخيبة والفشل وفقدان ما تحقق له من مكاسب في الميدان سابقاً وفي سوتشي وأستانا حاضراً، وسيندم أردوغان على حماقته وجنونه.
وإن غداً لناظره قريب
د. عبد الحميد دشتي
التاريخ: الثلاثاء 10 – 3 – 2020
رقم العدد : 17213