الصدمة كبيرة وقاسية، لم يكن العقل ليصدقها.. بدأت حالة النكران لكل بشاعة الإرهاب العالمي التي أدمت قلوب السوريين لسنوات تسع.. نكران لكل المرار الذي مر عليهم.. المرة الأولى التي بدأت أستمع فيها لقصص الهاربين من مناطق سيطرة الإرهاب في سورية والذين أقاموا في مراكز إيواء مؤقتة، الأسرة بالكامل هربت من منطقة دوما في ريف دمشق، الجد والجدة والأحفاد وزوجات الأبناء والبنات، بحسب رواية الجدة لم يبق مفر من ترك البيت، فمدير مدرسة الحي قُتل بطريقة وحشية وبقي جثمانه في الشارع لأيام ثلاثة، نطل عليه من النافذة دون أن نستطيع حتى بكاءه، ولم يعد بالإمكان إخفاء الأبناء والأحفاد الذين يرتادون المدرسة عن عصابات الإجرام والإرهاب، لأنهم وببساطة سيلاقون مصير مدرسهم الذي رفض إغلاق المدرسة أو تغيير نهجها..
فما كان من تلك الجدة إلا انتظار ساعات الليل والتنقل بين الأحياء والأراضي الزراعية وصولا إلى منطقة الجيش العربي السوري، الذي بدوره ساعدها على الخروج من مصير الموت المحتّم، تحكي الجدة قصة مدير المدرسة وتبكي دون توقف، فالأستاذ أحمد رفض كل الفكر الظلامي الوهابي وفضل الموت على تجنيد الأطفال لخدمة المشروع الداعشي التكفيري..
في عيد المعلم السوري نحتفي بأسطورة شهيد في محراب العلم والمعرفة، وكل الرحمة لروحه ولنقاء فكره وعقله نموذجا لكل المدرسين الذين صمدوا في وجه الإرهاب ومناهجه التي غايتها تسميم عقول الأطفال والناشئة بمفاهيم وأفكار التطرف والعنف .
مئات الشهداء من المدرسين والطلاب، وآلاف المدارس تدمرت بفعل الإرهاب وأصبحت خارج الخدمة بعد أن كانت قد وصلت سورية إلى حدّ بلغ زهوّ التعليم فيها قبل ٢٠١١ أي قبل الحرب على سورية، ينبئ بمحو الأمية بشكل شبه تام وهذا بفضل مجانية التعليم في كل مراحله..
نستذكر هذا وسورية تنفض الغبار عن كاهلها وتعيد ترميم المدارس وتسير بالنهج التربوي السليم وتوفر مستلزماته بكل طاقاتها حرصا منها على إعادة الدفة إلى مسارها الصحيح في تعليم أبنائها أن العلم يبقى نورا ونبراسا على كل الظلام والعتمة لإرهاب العالم.. الرحمة لشهداء محراب العلم والمعرفة وكل عام والمعلم السوري بألف خير.
هناء الدويري
التاريخ: الجمعة 13-3-2020
الرقم: 17216