ستون المعهد والكلية / 3

 أُشير الأسبوع الماضي إلى ما أورده الدكتور عفيف البهنسي في مذكراته التي أصدرتها مؤسسة (وثيقة وطن) عن رأيه بالتأثير غير الإيجابي للفنان الإيطالي غيدو لاريجينا على طلاب المعهد العالي للفنون الجميلة (كلية الفنون الجميلة لاحقاً)، حيث اعتبر أنه أضاع المقياس بالنسبة للطلاب الجيدين.
ويذكر د. بهنسي في المذكرات ذاتها أنه صوَّت في مجلس الكلية لإنهاء عقد لاريجينا، وقد تم هذا فعلاً. حينذاك كان الفنان محمود حماد، عضو المجلس، خارج سورية، وعند عودته أبدى انزعاجه من القرار. والملفت هنا أنه مباشرة إثر هذا الحديث عن تناقض وجهتي النظر يسترسل البهنسي في الحديث عن خصال محمود حماد الإبداعية والإدارية حتى يصل إلى القول: (لم يمرّ على كلية الفنون شخص بمستوى محمود حماد إطلاقاً مع تقديري لبعض الأشخاص الذين كانوا يحاولون، ولكن ميزة محمود حماد أنه كان موضع احترام الجميع، وهو يستحق التكريم بأكثر مما تمّ، رغم أنه قد نال وسام الاستحقاق السوري).
تصعب الإحاطة، في هذا الحيز الضيق، بتجربة محمود حماد الفنية البالغة الأهمية في إبداعها وريادتها وثراها، غير أنه من الضروري التوقف عند ما قيل عن تحولات هذه التجربة بتأثير لاريجينا. وقد يشكل استياء حماد من قرار الاستغناء عن لاريجينا دعماً لهذا القول. غير أن أكثر من حقيقة تدحضه في مقدمتها أن علاقة محمود حماد بالفن الإيطالي تسبق قدوم الفنان الإيطالي إلى دمشق بسنوات كثيرة، فقد سافر إلى إيطاليا عام 1939، وهو في سن السادسة عشرة، بغية الاطلاع على الفن ودراسته، غير أن ظروف الحرب العالمية الثانية أجبرته على العودة. وفي عام 1953 أوفد الى روما لدراسة التصوير الزيتي في أكاديمية الفنون الجميلة. وشارك خلال دراسته هناك في عدد من المعارض. وعن هذه المرحلة التي تمتد حتى عام 1957 يقول: (هذه المرحلة بالنسبة لي فترة دراسة أكثر مما هي مرحلة بحث عن أسلوب خاص، إنها محاولة لفهم أعمق لما يجري في عصرنا من تجارب فنية). الحقيقة الثانية تقدمها مسيرة تجربته التي شهدت أربع مراحل أساسية تطورت خلالها من الأسلوب الواقعي الانطباعي وصولاً إلى الأسلوب ميّز مرحلتها الأخيرة، والقائم على التعامل مع الحرف، والكلمة، كعنصر تشكيلي في لوحة معاصرة. وعلى هذا فإن ذلك الأسلوب الذي وصف بالتجريدي لم يكن انعطافه مفاجئة في مسار تجربته، وإنما نتيجة طبيعية للمراحل التي سبقتها. وهذه الحقيقة تقودنا إلى الحقيقة الثالثة وهي الاختلاف البنيوي بين (تجريد) حماد، وتجريد لاريجينا.
لماذا اعترض حماد إذن على إنهاء عمل لاريجينا في كلية الفنون الجميلة؟
الجواب يكمن في طبيعة حماد الديمقراطية الرحبة المنفتحة التي أتاحت له أن يجمع في شخصه صفات يندر أن تجتمع في شخص واحد: الروح المبدعة، الثقافة الواسعة، النزاهة، اللطف، التهذيب، الحزم، الأناقة، الكفاءة الإدارية، والموهبة القيادية، وهي الخصال التي تحدث عنها كل من عرف حماد، ومنهم الفنان نذير نبعه الذي قال:
(إن المراحل الأربع في إنتاجه الفني تعد من أهم البصمات الواضحة في تاريخ حركتنا التشكيلية، وكان له بجدارة فضل خلق هذه الاتجاهات في تيار الحركة الفنية وتدعيمها بثقافته الواسعة كمثقف، وأبوته النادرة كمعلم، وثقته النبيلة كفنان، وقدرته الفذة على العمل، وإيجاد المنهج والطريق في أصعب الظروف، وأقل الإمكانات وفي كل الأمكنة: فناناً، وأستاذاً وعميداً لكلية الفنون الجميلة، ورئيساً لقسم الفنون أو عضواً في لجنة ما.. ودائماً كان له صدر الكلام، بل كان صدر المكان حيث هو يكون، ذلك أن مكانه كان سعى إليه، ولم يسع هو إلى الأمكنة التي شغلها)..
وللحديث تتمة..

سعد القاسم
التاريخ: الثلاثاء 17-3-2020
الرقم: 17218

آخر الأخبار
إعادة الممتلكات ..تصحيح الظلم وبناء عقد اجتماعي شفاف ومتساو    انطلاق أول معرض للتحول الرقمي بمشاركة 80 شركة عالمية  ضحايا ومصابون بحادثي سير على أتوستراد درعا- دمشق وزير الاقتصاد يلتقي ممثلين عن كبرى الشركات في واشنطن التحويل الجامعي.. تفاصيل هامة وتوضيحات  شاملة لكل الطلاب زيادة مرتقبة في إنتاج البيض والفروج أول ظهور لميسي مع برشلونة… 21 عاماً من الإنجازات المذهلة  بيلوفسكي الفائز بسباق أرامكو للفورمولا (4)  خطة لتمكين الشباب بدرعا وبناء مستقبلهم   الألعاب الشتويّة (2026) بنكهة إيطاليّة خالصة  سوريا في قمة عدم الانحياز بأوغندا.. تعزيز التعددية ورفض التدخلات الخارجية   ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء في  طرطوس..  والريف محروم    "حظر الأسلحة الكيميائية"  تعتمد قراراً لتسريع إغلاق الملف الكيميائي السوري  عبدي يتحدث عن لقائه الشرع والتوصل لاتفاق لدمج "قسد" في الجيش السوري  نهائي بطولة الملوك الستة.. سينر وألكاراز يجددان صدامهما في الرياض تأهيل مدارس وشوارع "الغارية الغربية" في درعا على نفقة متبرع  قراءة في العلاقات السورية – الروسية بعد  سقوط النظام المخلوع  هل أنهى ترامب الحرب بغزة حقاً؟  بعد سنوات من الظلام.. أحياء حلب الشرقية تتفاءل بقرب التغذية الكهربائية  حادثة "التسريب".. خرق للأعراف أم محاولة للتشويش على التقارب السوري- اللبناني؟