معا على الطريق_ديب علي حسن:
ليس الوباء الأول الذي يجتاح العالم، ويهدد سلامة الجميع، وبالتأكيد لن يكون الأخير، فما دام الإنسان يعبث بالطبيعة ويجري عليها التغييرات الظالمة والجائرة، فالأمر مستمر، شئنا أم أبينا، لها (للطبيعة) قوانينها التي لا بد أن تصححها متى ما كان الخلل كبيراً وفتاكاً.
بهذا المعنى ثمة من يرى الكورونا فايروساً من صنع البشر عن قصد وعمد، وقد تم إنتاجه في المختبرات التي تدار سراً، بكل الأحوال، سواء أكان ذلك صحيحاً، أم لا، فالأمر متعلق بالنشاط الإنساني غير المضبوط والمتجاوز لكل القوانين الطبيعية منها، أم الوضعية، وما يجري ليس إلا ردة فعل من الطبيعة على الأمر، قد تطول الفترة الزمنية التي يحتاجها العالم للوصول إلى نقطة التوازن والارتكاز، ومن ثم القول إننا تخلصنا من وباء ما، لكن وقائع التاريخ تقول: ما تكاد البشرية تخرج من وباء حتى تعود إلى نشاط جديد يمهد لنشوء وباء آخر، قد تكون الفترة الزمنية بين الوبائين طويلة، يتطور العلم خلالها، لكن تطوره أيضاً يحمل في طياته الكثير من عبث العلماء بالحياة فيعود الأمر من جديد إلى طفرة أخرى من الأوبئة والجراثيم والفيروسات.
كورونا الوباء المستجد، كما تلحق به لازمة الصفة (مستجد) أظهر هشاشة العالم الذي كان يدعي أنه متحضر وأن القيم الإنسانية هي التي تحكمه، وما انفك يطبل ويزمر، ويملأ الكون صخباً مضللاً بالحديث عما يقدمه للعالم، لكنه في لحظة ما، كانت كما نبع الماء الذي ظل لعقود وربما لقرون من الزمن يتكثف داخل الأرض لينفجر ينبوعاً، وبغض النظر عن مفارقة التشبيه، فلا يمكن للعالم الغربي أن يكون ينبوعاً، لكنها مقارنة للحظة الانفجار.
كورونا، هي القشة التي قصمت ظهر الكذب والرياء والادعاء، وبصيغة أخرى، ذاب الثلج وبان المرج، القارة العجوز المربوطة بحبل الثور الأميركي، كانت وما زالت في حلبة الصراع مع الكورونا، ولكن من يشدها بحبل المصالح، وحتى إنها لا تقترب من علفها إلا بأمره، تخلى عنها، تركها تواجه قدرها، لتكون على مذبح الشيطان، خارج كل إحساس إنساني.
وحدها الشعوب التي تعرف نورانية الإنسان وقيمته، الدول التي عمدت واشنطن إلى شيطنتها، مدت يد العون، ومع أنها في ساحة المعركة، لكنها تقاسمت وتشاطرت الجراح مع المتألمين، روسيا الاتحادية، الصين، كوبا، موج من بحر واحد، أزاهير شتى في بستان الإنسانية.
قشة الفايروس، عرّت الوجه القبيح لرأس المال المتوحش الذي يمضي على مقولة: دعه يعمل دعه يمر، أما ماذا يعمل، وماذا يجر عمله، فهذا أمر آخر، يهم السيد الأبيض القابع وراء الأطلسي وظن نفسه بمنأى عن كل شيء، يهمه كم دخل خزائنه من الدولارات.
العالم في صدعه الذي أحدثه الوباء أمام تحولات كبيرة وعميقة، يجب أن تؤسس لمشهد مختلف آخر، لعالم ليس فيه من يلقيك بالماء مكتوف اليدين، ويقول لك: إياك أن تبتل بالماء.. عالم يجب أن يكون شعاره أن الإنسان أسمى وأنقى وأغلى ما في الوجود، وهو ليس سلعة.
عالم لا تكون فيه الولايات المتحدة شرطيه الذي يهش بعصاه ظلماً وعدواناً، وعقوبات، هي فرصة سانحة وحقيقية، يجب أن تقتنصها شعوب العالم، وتعمل على تأسيس القيم الإنسانية من جديد، وكم سيكون محزناً أن تمر الفرصة بلا تحول حقيقي، وتعود الولايات المتحدة إلى استثمار كل ما جرى (تعود حليمة إلى عادتها القديمة).