عمار النعمة – ثورة أون لاين:
يعد عبد الباسط الصوفي من أبرز الشعراء السوريين الشباب في الستينيات من القرن الماضي، فقد كان واحداً من الذين أسهموا في بناء القصيدة الجديدة، وعملوا على تحديث الشعر السوري شكلاً ومضموناً، واستطاع على الرغم من معاناته الشخصية أن يقدم لنا صورة من صور الشاعر الملتزم بقضايا الوطن والإنسانية، فقد غنى للأرض وللمرأة وللطبيعة وللكون، وحمل هموم الإنسان المعاصر بروح شفافة نابضة بالحب والإيمان والحزن والقلق والاغتراب.
ولهذا صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب وضمن سلسلة (أعلام ومبدعون) الكتاب الشهري لليافعة (عبد الباسط الصوفيّ) تأليف د. جمال أبو سمرة.
الولادة والتعليم
ولد الشاعر عبد الباسط الصوفي في مدينة حمص من أسرة متوسطة الحال، تلقى علومه الابتدائية في المدرسة (الخيرية الأميرية) ثم في مدرسة التجهيز فنال الشهادة المتوسطة، ثم في مدرسة التجهيز، وحصل على الشهادة الثانوية عام 1950، عُيّن بعدها معلماً في مدارس ريف المحافظة، ثم مدرساً للغة العربية في متوسّطة (فيروزة).
التحق بجامعة دمشق عام 1952 ونال الإجازة في الآداب، لم يقدّر للصوفي أن يعيش حياة اجتماعية هانئة مستقرة، خالية من الفوضى والضوضاء والضجيج، فقد عاش فقيراً في منزل أهله المكتظ بالأطفال الذين أحبهم، ومع ذلك لم يقف منهزماً أمام منغصات الحياة وعوائق الصعود نحو القمة التي ارتضاها مكاناً له، فقد عاهد أن يتخطى الصعاب وألا يستسلم للأمر الواقع.
أوفد الصوفي إلى غينيا لتدريس اللغة العربية فيها، ومما يحسب للشاعر في هذه الغربة وفاؤه لأصدقائه، فهو لم ينقطع عن مراسلتهم خلال الأشهر القليلة التي قضاها في غينيا، ويبدو أن الصوفي وجدها فرصة سانحة للتأمل الروحي في الحياة والكون، وفرصة للمطالعة وتثقيف الذات، فـ (لابي) بلد صغير ليس فيها أماكن للتسلية إلا السينما، فكان يقضي معظم الوقت في شبه عزلة تامة، منهمكاً بأعماله الأدبية، وبالنزهات الطويلة أوقات الصحو.
آراء النقاد
أحيط أدب الصوفي باهتمام النقاد والمتابعين من أصدقائه، ومن جمهور الشعر، وقد أجمع العديد من الباحثين والأدباء على أن الشاعر الصوفي يعدّ جسر العبور إلى التجديد الحقيقي في الشعر السوري الحديث، ومن الباحثين الذين درسوا شعره وأدبه الكاتب محمد عدنان قيطاز الذي اعتبره من أبرز الشعراء السوريين الشباب في الستينيات من القرن الماضي، فقد كان واحداً من الذين أسهموا في بناء القصيدة الجديدة، وعملوا على تحديث الشعر السوري شكلاً ومضموناً واستطاع على الرغم من معاناته الشخصية روحياً ونفسياً أن يقدم لنا صورة من صور الشاعر الملتزم بقضايا الوطن والإنسانية.
ويصفه الباحث المهندس جورج فارس رباحية بالقول: كان عبد الباسط شاعراً عبقرياً ملهماً، ويعتبر من شعراء الطليعة العربية في عصرنا الحديث، رهيف الإحساس، دقيق التصوير والملاحظة، وطنيّ التفكير، عربي النزعة، إنساني نبيل، رشيق العبارة، يمتاز شعره بأنه يجمع بين أصالة الشعر الكلاسيكي وتجديد الشعر الحديث، ويعبّر تعبيراً عميقاً عن مأساة الضياع والتيه التي يعانيها الجيل العربي الجديد في سعيه لتحقيق ذاته.
في رثائه!!
عندما تناقلت الأنباء وفاة الشاعر عبد الباسط الصوفي أصيبت حمص بالذهول، وصعقتها المفاجأة… كانت وفاته مثاراً لكثير من قصائد الرثاء وكلمات التأبين وقطع التشييع التي تعبر عن غصّات القلوب، واللوعة لفقده، وخسارة الأدب برحيله، وخصوصاً أنه انطفأ في عنفوان الشباب وله من العمر تسع وعشرون سنة.
ترك الصوفي عشرات القصائد الشعرية في مختلف الموضوعات، تضمنها ديوانه (أبيات ريفية) وهو الديوان الفائز بجائزة دار الآداب في الشعر، بالإضافة إلى عشرات المقالات الأدبية والاجتماعية، والقصص، ورواية لم يقدّر له أن يتممها، وقد جُمعت أغلبها تحت عنوان (آثار عبد الباسط الصوفي الشعرية والنثرية).
ونقرأ من شعره:
مدينتي، طيّبة، حرة مدينتي لا تملك الذّرة
لا تصلب الإنسان في آلة أو تمضع الأحقاد في فكره
مدينتي نبضات قيثارة حيناً، وحيناً ضحكة ثره
قديمة كالحب، ميلادها لمّا صحا درب الهوى مَرّه
أرجوحة، أفياؤها الواجفه مواكب، أضواؤها الزاحفه
قد كدّس الورد بشرفاتها ما أرهبتها السحب العاصفه
لتصلكم صورنا وأخبارنا بسرعة وسهولة انضموا لقناتنا على تيليغرام
https://t.me/thawraonlin