ثورة أون لاين – حمص – رفاه الدروبي :
يأخذنا الباحث والكاتب “محمد بري العواني” برحلة عبر الذاكرة وكأنه يلتقط نتفاً من التاريخ، فيطرق باب فخري البارودي وما لعبه من دور في استقدام صباح فخري من العاصمة التجارية إلى العاصمة السياسية والثقافية دمشق، واستطاع بحنكته وذكائه وثقافته أن يأتي بالشيخ عمر البطش من حلب إلى دمشق، ليُخرجه ورفاقه من زواريب البيوت، ويخرج معها رقص السماح إلى الملأ بعد أن كان حكراً على الرجال فقط، فأعطاه مدرسة دار السلام القريبة من مديرية المسارح والموسيقى، واستقدم فتيات للشيخ عمر البطش ليعلمهن رقص السماح.
الباحث العواني يعود بذاكرته عندما شكل مراد السباعي فرقة من الممثلين المبعثرين، ضمت فيها شخصيات من مهن مختلفة آنذاك، وفيما بعد تنادوا وأسسوا نادي دوحة الميماس للموسيقى والتمثيل، وبأنه تشكل فوق الطوائف والأحزاب والأديان والانتماءات الطبقية، وعلى رأسهم الأديب رضا صافي، ومراد السباعي والصيدلاني سليمان المعصراني، عام 1933 وكان يضم أفراداً من مهن مختلفة.
وأردف بأنَّ النادي لم يكن ظاهرة فريدة في التاريخ السوري فحسب، بل ظاهرة فريدة في قوننة النضال الثقافي، حيث ركز على تقديم التراث الأصيل على مستوى الغناء والموسيقى ورقص السماح، فكان يوجد فرقة لرقص السماح من الفتيات ترأستهم الشاعرة الراحلة فطمة البديوي في واسطة.
الباحث العواني أكد على عدم معرفة شيء اسمه القدود الحلبية حتى جاء صباح فخري فشوهد نقله من الديني إلى الدنيوي، وبدأ يظهر موسيقيون هنا وهناك، بالفترة ذاتها، ومنهم أمير البزق محمد عبد الكريم، مبيناً أنه شهدت الفترة نفسها أيضاً تاريخ ولادة وحياة المعلم داوود قسطنطين الخوري بين 1860- 1939 الذي ينتمي إلى كنيسة الروم الأرثوذكس، وتم استضافة أبو خليل القباني من قبل آل الجندي بعد إحراق مسرحه في دمشق، وكان المعلم داوود قسطنطين الخوري قد تعرف على أبو خليل حين ذهب إلى دمشق لاستكمال تعليمه وأعجب بصوته، وكان شاعراً وملحناً ضمه القباني إلى فرقته، لافتاً بأن الخوري عندما أنهى دراسته في الشام وعاد إلى حمص كان يوجد فيها عدد من المؤلفين المسرحيين والملحنين والمغنين والشعراء، ومنهم الشيخ محمد خالد الشلبي والشيخ عبد الهادي الوفائي. ويروى أن الشيخ الوفائي كان من أعظم عازفي الناي في الوطن العربي “ناياتي” وآل الوفائي بعمومهم عازفو ناي، ومنهم أستاذ اللغة الإنجليزية خلق الوفائي وهو مازال على قيد الحياة حتى اليوم.
متابعاً حديثه عن تشكيل ما يسمى بالمدرسة القبانية في حمص، أو مدرسة حمص في المسرح الغنائي القباني بعد لقائهم مع أبو خليل، وكان الشيخ عبد الهادي الوفائي ينجز عرضاً مسرحياً ويقوم بعرضه على مسرح كنيسة الروم الأرثوذكس، ويقدمه ويخرجه بريع 200 ليرة، فيوزَّع الريع على الميتمين الإسلامي والمسيحي بالتساوي، مقدماً حديثه عن المسرح الغنائي وغير الغنائي بأنه كان دنيوياً لكن حافظ على القصيدة والموشح والقد، وظهر اسم مميز أمثال نجيب زين الدين، ومحمد الشاويش الذي اشتغل مع القباني كمنشد ومغنٍ وراقص سماح.
كما أشار إلى أهم المنشدين مع داوود قسطنطين الخوري، وكان نجيب زين الدين الذي لم يغنّ في النوادي الليلية، بل بمسرح حقيقي استضاف كبار المطربين أمثال محمد عبد الوهاب، ونور الهدى، و فتحية أحمد….الخ، وغنى أيضاً في الأعراس كما روى أحمد الجندي بكتابه الصغير والمهم الذي سماه “رواد النغم العربي”، فكان يبحث عن مكان ليغني فيه على مزاجه، وليس على مزاج الجمهور، ولمع معه عبد الرحمن الزيات وسجَّل خمس أسطوانات، بينما نجيب زين الدين لم يسجِّل أي أسطوانة، ورفض رفضاً قاطعاً، لعدم رغبته ومازالت كثير من الأسطوانات موجودة لدى بعض الأشخاص، ولديهم أرشيف كبير من التراث ويحتكرونها ولا يعطونها لأحد، ما قد يؤدي إلى ضياع الكثير من تراثنا وكنوزنا في حمص.
خاتماً حديثه بأن نادي دوحة الميماس جمع كل الأشخاص تحت سقف الوطن، وأظهر أسماء مهمة، منهم عازف الناي بدر الدين الحلبية، ويعتبر عازف ناي على مستوى الوطن العربي، ويحيى النحاس عزف خلف أم كلثوم، وأمير البزق محمد عبد الكريم، وأنتج النادي مطربين مهمين أمثال محمد بشير ونور الهدى، التي كانت عندما تأتي حمص أول ما تزور النادي، وغنت معهم في عام 1966، وانتسبت إلى النادي مع مجموعة من الأصدقاء، وحضرت ظاهرة فريدة لم تتكرر في تاريخها، وكان الشيخان نديم الوفائي وسعد الدين بلبل -عم الكاتب والمسرحي فرحان بلبل- شيخين متنورين.