حين تُحدّث عن “فضائل الفشل”، سُئل الفيلسوف الفرنسي “تشارلز بيبين” عمّا إذا كان أولئك الأكثر نجاحاً هم الأكثر فشلاً، يجيب: إنهم الأكثر دهاءً..
يرى أنه كلّما خَبِرَ كلٌّ منّا الفشل باكراً، كلّما سهل عليه تجنّب الانهيار.
(فالحقيقة أن الفشل ضروري أحياناً لجعلنا نفهم أننا لن نسير في الاتجاه الصحيح).. وهو ما يقتضي “التوقف” وتأمّل كل خطواتنا السابقة.. وصولاً إلى ما يسمّيه بيبين “حكمة الفشل التي هي صميم النجاح”.
بربطه المتناقضَين (نجاح، فشل) يُذكّر حديث “بيبين” بحديث “آلان دو بوتون” عن ثنائية (التشاؤم، التفاؤل)..
يبدو أن معظم- إن لم يكن كل- الأشياء تنبع من أضدادها..
ولوهلة تدرك أنك كلّما تمرّست أكثر بالحزن، كلّما أدركت مسبّبات الفرح والعيش بسعادة..
فكل جميل وإيجابي في الحياة يحتاج لقرارٍ، خلافاً لمناقضاته.
الفشل، الحزن، المرض، التعاسة، وأشياء أخرى سلبية الوقع على حيواتنا، تحدث لنا دون قرار ودون سابق معرفة بحدوثها..
إنها جولات العمر مع ما يكشف تصدّعات أرواحنا وهشاشة وجودنا..
تخبّئ كل جولة من تلك الجولات السلبية، تجربةَ تجلٍّ كشفية.. تضيء بعضاً مما خفي علينا وصعبت رؤيته في لحظات عادية العيش.
أنت تَغرُق أكثر وتغوص إلى أعماق ذاتك كلما خبرت تجربة فشل من أي نوعٍ كانت.. تتلمّس وتقارب أصل الأشياء لتمتلك قوة إعادتها إلى جوهر حضورها الذي اعتدت عليه في مخططات فكرك.
حين تغوص إلى أبعد نقطة في قعر ذاتك، لعلك تلامس كنوزها التي لا تبصرها من على السطح.. ستندهش من صلابتك كلّما اقتربت أكثر من حافة هاوية تترصدك وتهمّ بابتلاعك.
ذكر أحدهم يوماً أن الجواهر الثمينة التي تنطمر في بواطن الأرض غير معلنةٍ عن وجودها، تحتاج أحياناً زلازل لاكتشافها.
حين يتخمّر الوجع، يتحوّل طبقاً شهياً لاختبار المزيد من جماليات العيش.
رؤية- لميس علي