الملحق الثقافي:سهير زغبور :
«الوقت» هي رواية هدى فاضل الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، تأخذك فيها الكاتبة بأسلوبها السردي إلى كواليس ميدانية واجتماعية وعاطفية خلال الأزمة التي ألمت بسورية.
بدأ كل شيء في معرض للصور الضوئية وفيه انتهى؛ حيث سلطت الكاتبة عين الكاميرا على شخصيات عايشت الأزمة. تناولت فيها أساليب الموت والدمار والخطف والتفجيرات التي طالت البشر والبنى التحتية. وخلال كل ذلك، كانت ترصد ما تعيشه تلك الشخصيات من حالات ومشاعر قد تمثل شريحة لا بأس بها من المجتمع.
تتركز أحداث الرواية في حمص، في مركز الهلال الأحمر بكل ما يقوم به طاقمه من مساعدات وإنقاذ للمصابين. ومن ثم ما بين تلك الشخصيات من علاقات. ولعل أعمقها هو ذلك الحب الذي يدور في حلقة مفرغة. حين يحبنا من لا نحبه، ونحب من لا يحبنا. إلى أن يُنضجَ الوقتُ وقتاً آخر.
تقول الكاتبة: (الحب معيار الوقت. وهو معيار دقيق جداً. وليس من مجاملات لمن يعتقدون أن هنالك فائضاً من الوقت يشمل جميع الأحداث، ويطلقون على بعض الوقت وقت الفراغ. في كل ثانية أو في كل جزء من الثانية قد يحدث من الأحداث ما لسنا قادرين على تخيله).
هذا الاستثمار للوقت جعل الكاتبة تنتقل برشاقة بين الأحداث دون أن تطيل المكوث في مشهد ما، مما يبعد القارئ عن الملل، ويخطف منه اللحظة إلى لحظة أكثر تشويقاً.
في الرواية استطاعت الكاتبة أن تحزم الضوء ليكون شاهداً على كل ما قد تمر به النفس البشرية من نوزاع تحيط بها الحرب من كل جانب ويحيط بها الوقت كدائرة. تقول الكاتبة على لسان (ليل) بطل الرواية وهو الذي أحب (جود) الفتاة التي تعرف عليها في معرض الصور الضوئية ثم فقد التواصل معها وتزوج بأخرى كانت تحب غيره وهو الذي أحبته جود، ليعود ويلتقي بها في مركز الهلال الأحمر ومن ثم يفترقان بعد أحداث كثيرة ليعودا ويلتقيا في المعرض ذاته كقدر. يقول:
(تلك القطرة التي لفتني كبر حجمها في ذلك الصباح الربيعي، فحملت الكاميرا والتقطت لها صوراً من جميع الاتجاهات. كانت تلمع كالمرايا، ولا تشبه قريناتها اللواتي ملأن الأشجار من حولها). كانت تلك ملامح القطرة التي رأى فيها ليل صورة عاشقين سيظلان فيما بعد يدوران داخلها حتى يومئ الوقت بأن يجتمعا من جديد.
والرواية كما كتب عنها الناقد بلال أحمد: الحرب هو السمة الأبرز في معظم النتاج القصصي والروائي السوري في السنوات الأخيرة ليروي فصولاً من الحرب الإرهابية على سورية ورواية «الوقت» لهدى فاضل تنتمي لهذا النوع من الأدب في كل تفاصيلها.
تبدأ الرواية من خلال قصة حب بين طبيبة وفنان تشكيلي في بداية الحرب ويعيش هذا الفنان «على مقربة من الحياة يسمع ما يصله من ضوضائها، أما موسيقا القلب فقد كانت رتيبة لم تؤثر عليها أصوات المدفعيات ولا أزيز الرصاص».
وتمزج الكاتبة لغة السرد في الرواية بين ضمير الغائب وضمير المتكلم ليتحدث البطل بلسانه مرة: «فأنا في السنة الرابعة هندسة ميكانيك راسب سنتين لا أكثر»، والبطلة بلسانها مرة أخرى: «كنت أريد أن أبقى وحيدة لأني بحاجة إلى بعض الوقت لأفهم ما حدث» بطريقة فنية غير قسرية لا يشعر القارئ بها.
كما تتميز تلك اللغة بشاعريتها وشفافيتها وجنوحها إلى الخيال مرة وإلى الواقع مرة أخرى «ومع ذلك كنت أعيش مع الأغنية حياة بلون جديد ففي الحزن لون للحياة لا تكتمل صورتها من دونه لأنني أعتقد أن كل واحد منا تائه بين واقع وحلم وأن الحقيقة ضائعة بينهما».
ولا تخلو الرواية من تبعات الحرب وآثارها التي انعكست على السوريين كما انعكست في مجمل عطائهم الأدبي «كان إلى جانبي عندما بدأ القصف إلا أنني لم أجده، وأول مشهد رأيته عندما نهضت منظر جسدي ينزف من عدة أماكن».
وتنهي فاضل روايتها بحوار بين العاشقين اللذين فرقتهما الحرب بعد لقائهما في معرض لبطل الرواية «ليل»: «أنت تلاحقني إذن.. أجل فعلت وسأفعل.. أين كنت طوال هذه المدة. وتجيبه المحبوبة في ألمانيا». لتختتم الرواية بحوار صامت رمزت له الكاتبة بنقاط وكأنها تريد ترك النهاية التي يجدها القارئ مناسبة.
يقع الكتاب في 319 صفحة من القطع الوسط، ويذكر أن الكاتبة هدى فاضل من مواليد سلمية، تحمل إجازة في اللغة العربية وتكتب في الصحف والمجلات السورية.
التاريخ: الثلاثاء21-4-2020
رقم العدد : 995