الشابُ العجوز

الملحق الثقافي:محمد جبر :

طال غيابي، تجعدت روحي، وذبلُ قلبي، أنا الشاب العجوز شرعت الأبواب بعد ضجيجٍ وطويل أمد، سرت عشرين خطوة كمن يسير إلى قبرهِ حياً يرزق، اعتراني الصمتُ وضربني بسيفهِ، أهذهِ هي بلدتي؟
أهذا هو الحي الذي زُرعتُ به وارتويتُ مَشقةً حتى نبتُّ وجعاً، استنشقتُ ريحه لأختمَ أشواقي فلم أنل مِنه سوى ريحِ المنايا، والموتُ يتجولُ في أحياء مدينتي التي ترعرعتُ فيها والأزقةَ التي مشيتها بشراييني وأوردتي هياماً وعِشقاً، تفجرت مدامعي وفاضت، لم تعد كما كانت عليه، دوامةُ غبارٍ تتجهُ إليَّ مسرعةً تتأرجحُ بقلبي حاملةً معها فيضَ أنين وحنين، لم أعد أتذكر أي شيء، أين الطريق إلى منزلي وصديقي الصغير؟
سألتُ أبي، ما الذي حل هنا؟ ما الخطب؟!
كل ما نتجهُ إليه سرابُ الحاضر وحنين للماضي، دخلت إلى منزلي فلم أرَ باباً ولا نافذةً ولا شرفةً، ركامٌ شاهق يخفي البلاط تماماً، جدارٌ مستلقٍ على الأرض يئن، وسقفٌ ساجدٌ يقبلُ الحائطَ يرثي أخاهُ، كرسي والدي واقفٌ شامخ رغم أن أحشاءه ممزقة وكأنه كان مرمى للرصاص، بدت على أقدامهِ الخشبية الدماءُ والملحمة التي خضع لها منتصراً مستكيناً، ورغم كل الضياع مازال ظهر الكرسي حاملاً عباءة جدي.. مواءٌ هادر ينبعثُ من حنجرة هرة معذبة، خرجت من تحتِ الجدار الخلفي وانتفضت نحوي متزينةً بالدماءِ يعتريها الذعرُ تتشبثُ بمخالبها بثوبِ الحياة، وإن اشتدت الحياةُ بنا صفعاً وقتلاً نبقى متمسّكين بها، كأننا نهمسُ بأُذنيها اشتدي بنا فلن يزيدنا الألم سوى تعلقٍ، في كل نظرةٍ أرى بها كل شيءٍ يهتفُ ذعراً منقضٌّ عليه الهلع، نشر القهر أعضائي وأطفأ قناديل شبابي، استولى على قوتي وطرحني أرضاً صارخاً.. الآن انتصرت!
ترمّلت روحي بقتل جسدي جهراً وبت شبحاً مكبلاً لا يمكنني الحراك، حكم علي بشيخوخةٍ مبكرة، سالفتي قطنٌ أبيض، جبهتي طريقٌ متعرج، شعري أغار عليه الشيب، يداي ترتجفان، عينايَ شبهُ مغلقتينِ مكحلتين بالدمع، شاخت روحي مترهلةً متكئةً على عكازةٍ سوداء، أشرعت سفني شاردة، صدري مختنقٌ، فؤادي متلاشٍ غارقٌ بدمائي، جفوني ذبلت، تسكعت على عيناي بألمٍ، روحي شظايا قنبلة، تفجرت مدامعي لصدى صراخها في حنجرتي، عقلي رمالُ شاطئ غارقٍ بين مدِّ وجزرِ الموج، أكتافي مثقلةٌ بكل أوزان الكون، رافعاً راياتي البيضاء، أنا الشاب العجوز.

التاريخ: الثلاثاء21-4-2020

رقم العدد : 995

آخر الأخبار
ريال مدريد يفتتح موسمه بفوز صعب  فرق الدفاع المدني تواصل عمليات إزالة الأنقاض في معرة النعمان محافظ إدلب يستقبل السفير الباكستاني لبحث سبل التعاون المشترك ويزوران مدينة سراقب رياض الصيرفي لـ"الثورة": الماكينة الحكومية بدأت بإصدار قراراتها الداعمة للصناعة "نسر حجري أثري" يرى النور بفضل يقظة أهالي منبج صلاح يُهيمن على جوائز الموسم في إنكلترا شفونتيك تستعيد وصافة التصنيف العالمي الأطفال المختفون في سوريا… ملف عدالة مؤجل ومسؤولية دولية ثقيلة مبنى سياحة دمشق معروض للاستثمار السياحي بطابع تراثي  "السياحة": تحديث قطاع الضيافة وإدخاله ضمن المعايير الدولية الرقمية  فلاشينغ ميدوز (2025).. شكل جديد ومواجهات قوية ستراسبورغ الفرنسي يكتب التاريخ اهتمام تركي كبير لتعزيز العلاقات مع سوريا في مختلف المجالات الساحل السوري.. السياحة في عين الاقتصاد والاستثمار مرحلة جامعية جديدة.. قرارات تلامس هموم الطلاب وتفتح أبواب العدالة تسهيلات للعبور إلى بلدهم.. "لا إذن مسبقاً" للسوريين المقيمين في تركيا مرسوم رئاسي يعفي الكهرباء من 21,5 بالمئة من الرسوم ..وزير المالية: خطوة نوعية لتعزيز تنافسية الصناعي... لقاء سوري ـ إسرائيلي في باريس.. اختبار أول لمسار علني جديد تركيب وصيانة مراكز تحويل كهربائية في القنيطرة زيارة وفد الكونغرس الأميركي إلى دمشق… تحول لافت في مقاربة واشنطن للملف السوري