ثورة أون لاين – آنا عزيز خضر:
الأم السورية أيقونة العطاء، ورمز للتضحية والفخر بشهادة الأبناء، فكم رأينا أمهات قدمن شهيداً واثنين وثلاثة، بل وصل عدد الشهداء الأبناء لديهن، إلى أكثر من سبعة.. هؤلاء الأمهات كثيرات والتاريخ شاهد حي على تضحياتهن على مذبح الكرامة، وكثير من الفنانات التشكيليات وثّقن هذه الحالة، وهنَّ أمهات فقدن الأبناء من أجل عزة الوطن..
الفنانة التشكيلية «صريحة شاهين» هي أم شهيد تفتخر بشهادة ابنها، مثلها مثل أي أم سورية تؤكد أن كرامة الوطن هي الأهم، وبأنّ على جميع أبناء الوطن، أن يحاربوا كلّاً من مكانه.. الجندي والعامل والطبيب والمهندس والفنان، وغيرهم ممن تحتم عليهم المعركة خوضها دفاعاً عن وطنهم، وتقديم ما قدمته هذه الأم التي قالت في ذلك:
“أنا أم شهيد، وعشت الحرب مثلي مثل كلّ أهل وطني، وقدمت فلذة كبدي فداء للوطن ولدي شابين في الجيش، وبعد استشهاد ابني كان شعوري أمومي غريزي”.
حتماً، تأثرت كثيراً وتألمت على ما يجري في بلدي، وقررت أن انطلق فالحياة مستمرة والوطن يحتاج التضحية.
نعم انطلقت، وكانت البداية عندما قمت بتحضير معرضي الفردي الأول في يوم عيد الأم، في آذار من عام 2016.. وكان المعرض تحيّة إلى روح ابني الشهيد، مثلما إلى أرواح شهداء الوطن، وجميع أمهات الشهداء والوطن. فعلت ذلك إيماناً منّي بأنّه إذا كان سلاح الجندي بندقيته، فسلاح الفنان ريشته وألوانه، وقد جسدت الحالة النفسية والوجدانية على سطح لوحتي بانفعالٍ عاطفي.
كانت تجربة الحرب والسلام هي القاسم المشترك الأعظم في رحلتي الفنّية، وبقدر ما احتوت خبرتي الذاتية من ذكريات مؤلمة ومريرة، احتوت من القلق والرعب والأمل والغضب والحب والكره للأعداء، ومع ذلك لم أسقط هذه الحالات على اللوحات التجريد والرمز في إطار تصميمي، بعيداً عن استدرار العواطف، فقد كان كلُّ ما اخترته من مشاهد الاستشهاد، وما نتج عنه من معانٍ روحانية تتفوق على الألم وتبشر بالجنة والخلود..
بدأت أعمل على الحالات الإنسانية التي تُعبّر عن حقوق الإنسان وحقوق الطفل ووجوه النساء وتحديداً الأمهات، وكنّ بوجه عبوس ويكسوه الحزن انعكاساً لما يدور في أعماقهنَّ.
تناولت في معرضي أيضاً، مكانة الشهيد والصمود والتصدي لجذور الإرهاب، معتبرة أن المعرض إهداء إلى كافة شهداء الوطن، ولقد كان محوره فكرياً وفنياً عن الشهيد، فعندما نتحدث عن النصر ومكانة الشهيد، لابد أن أكون مدفوعة رغماً للتركيز على الزوايا الصعبة، وأعني بها ذلك الحائط القوي الذي استطاع أن يمتصه، وأن ينفذ من خلاله ثم يتجاوزه ومعه ذلك الرصيد من الذكريات الإنسانية والتاريخية وحب الوطن والانتماء والإصرار على التصدي لأيّ عدوٍّ أيّاً كان الأمر..
تناولت كلّ ذلك لقناعتي بأن الأمومة عميقة، فكيف إن كانت متماهية مع الفن الذي هو في الأساس مقتدر، واقتداره يأتي من كونه قد نبذ أدواته وخاماته في العملية الإبداعية…