هي التسمية الشائعة منذ سنوات كثيرة لشهر رمضان الكريم، من زاوية الأعمال الدرامية التي تعرض فيه أو للدقة الأعمال التي تنتج خصيصاً لتعرض فيه، وهي في واقع الحال مجمل الأعمال الدرامية المنتجة خلال السنة.
تسميةٌ أحدث وأكثر قرباً من الحقيقة أطلقها الكاتب مازن طه، حين وصف موسم الدراما الرمضانية التلفزيونية، ب:«موسم التباكي على الدراما السورية». ففي مقالة مهمة نشرها على صفحته في الفيس بوك، رجع الكاتب إلى جذور المشكلة التي تئنُّ منها الدراما التلفزيونية السورية، والتي قد يكون من أهم أسبابها هو ارتهانها للتمويل الخارجي لجهتي الإنتاج والتوزيع، وما يترتب على هذه التبعية.
وبصرف النظر مؤقتاً عن سبب ظاهرة الموسم الدرامي الرمضاني، فإن هذه الظاهرة في جوهرها تشبه السلوك الاجتماعي العصابي التي ترافق “الاستعدادات” لشهر الصوم، والذي يوحي بالتحضير لمواجهة “مجاعة” لاستقبال موسم زهد وتقشف، كما يفترض في أي صيام. فكثير من الصائمين يبدون وهم يتأهبون لاجتياح مائدة الطعام المكتظة، رغم الارتفاع الخيالي في كلفتها، وكأنهم ينتقمون من الساعات القليلة التي حرموا فيها “طائعين” من الطعام. فقد ترجمت المواسم الرمضانية التلفزيونية حالة مائدة الطعام الرمضانية الشرهة، على شاشة تلفزيونية شرهة. وتبدلت صيغة المسلسل التلفزيون من صيغة الثلاث عشرة حلقة التي كانت تتفق مع نظام الدورات البرامجية الفصلية، إلى صيغة مسلسل الثلاثين حلقة الذي يغطي شهر رمضان كاملاً، وربما يزيد في بعض الحالات قليلاً ليغطي العيد معه. كل ما سبق أدى إلى ظهور حالات “المطمطة والحشو والتكرار” في كثير من الأعمال الدرامية الرمضانية. ومثلما يؤدي التدافع على أسواق الطعام إلى ارتفاع أسعاره كل سنة بدل انخفاضها لو التزم الصائمون جوهر سلوك الصيام، فإن التنافس في الحصول على المسلسلات الدرامية الجديدة أدى إلى رفع أسعارها في رمضان عما هو عليه في باقي أشهر السنة. وهذا الحال لم يصنعه المشاهدون، وإنما المحطات التلفزيونية العربية التي أوجدت عرفاً خاصاً يتمثل بدفع سعر أعلى للمسلسلات التي تعرض في شهر رمضان، وبالتالي حرص المنتجون على تسويق أعمالهم للعرض في هذا الشهر، مما أوجد في الواقع موسماً للإنتاج الدرامي يبلغ ذروته في الأشهر القليلة التي تسبق حلول شهر رمضان. وبسبب هذا التقويم الإنتاجي أدت جائحة “كورونا” لعدم استكمال الكثير من الأعمال التي كان من المقرر إنجازها هذا العام “الموسم”.
إن التنافس – الذي يبدو مطلوباً بين صناع الدراما التلفزيونية للارتقاء بها، يؤدي في واقع الحال إلى ازدحام غير عادي، على شاشة رمضان، للدراما المنتجة حديثاً، وبالمحصلة فإن الدراما التلفزيونية التي تحظى بحفاوة استثنائية في (مهرجانها الرمضاني السنوي) يلحق بها من الخسائر في هذا العرض (المكتظ) أكثر بكثير مما تحققه من أرباح. وليس الحديث هنا عن الأرباح المادية للمنتجين، ولا عن الأرباح الخيالية لشركات الإعلان والمحطات الراعية، التي تتناسب طرداً مع ارتفاع قدرتها على الترويج، وإنما عن الخسائر المعنوية للجوانب الإبداعية و(الثقافية). ففي زحمة العرض، وشراء كل ما ينتج، تُسقِط أعمال غير قليلة الشروط الإبداعية والفنية، وتفقد غيرها فرصة التقويم السليم، ويخسر معظمها فرصة المتابعة المتأنية والدقيقة، والتفاعل مع محيطها.
ويكفي خسارة أن تنحصر الدراما السورية والعربية المنتجة حديثاً في شهر واحد من السنة، مخلية كامل السنة للدراما التلفزيونية الوافدة (المدبلجة)، ولما يمكن أن تحدثه من تأثير في إعادة صياغة ثقافة المجتمع العربي
إضاءات – سعد القاسم