بعيداً عن الصفحات الزرقاء وتسمياتها المختلفة والتي تفضي جميعها إلى عالم يمكن أن نصفه بالمتحول أو الهوائي أو المتغير حسب رغبات وتطلعات” مريديه” حتى أننا لانقف على حقيقة ثابتة إلا عند القليل من الذين مازالوا يؤمنون بأن الكلمة مسؤولية والكلمة وثيقة ..
اليوم ونحن نعيش هذا العالم المتبدل بكل مقوماته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وحتى الجغرافية، والمتسارع في أحداثه وقد أصبح قرية صغيرة، وبات ليس مستحيلاً إن أردت أن تعرف ماذا في إيطاليا، وليس بالضرورة أن تعرف ماذا في البرازيل، فكبسة زر تضع العالم جميعه بين يديك ..
وفي ظل هذه المعطيات الجديدة يقف التوثيق كواحد من العلوم الهامة التي يجب أن نلتفت إليه بعناية فائقة قبل أن تذرونا رياح النسيان وتصبح ذاكرتنا رمادا في مهب الريح، ونحن نرى من يسعى إلى ذر الرماد في العيون لنغفل عن تاريخنا وسجلات أحداثنا اليومية، في زمن يستطيع “فيروس قاتل” من صنيعة البعض أن يجعل مدننا خالية من سكانها يترقبون الموت في لحظات عصيبة، ويستطيع أن يوقف نبض الحياة فينا إلا قليلا بانتظار أن يعلن أصحابه البدء من جديد ..
عندما تتوقف وثائقنا الورقية ويتسيد التوثيق الإلكتروني على أهميته نشعر أننا في خطر، وأن الأجيال القادمة لن تستطيع بتلك الذاكرة غير الموثقة أن تكمل رسالة الحضارة وأن تتابع مسيرتها في البناء والإعمار على أسس قوامها الوعي والتبصر في الواقع وأحداثه بعين الشاهد على العصر.
وعندما نؤمن بأن التوثيق يجب أن يكون على لسان المؤهلين من المعاصرين للأحداث، لاشك سنحصد نتائج مبهرة سمتها الأساس المصداقية وتصوير الواقع بتفاصيله، وهذا بالطبع يتطلب جهودا كبيرة واختصاصيين يتمتعون بالحيادية والمنهجية والثقافة الشاملة، ناهيك عن الاضطلاع بعلم التوثيق وقواعده.
وفي ظل هذه المتغيرات والتسارع الكبير في سبل العلوم والتكنولوجيا ومايتبعها من طرائق في أنواع الفبركة وتغيير الحقائق، لاشك نحتاج مشروعا توثيقيا وطنيا يعمل على تدوين التطورات التي تطرأ على حياتنا في مجالاتها كافة “الاجتماعية، الثقافية، الاقتصادية..” فهل نفعل؟
رؤية- فاتن أحمد دعبول