الملحق الثقافي:سلام الفاضل:
تعتبر هذه القصص المنتقاة من سفر الأدب الروسي في القرن العشرين، والمُتضمَنة في الكتاب الجديد (مختارات من روائع القصص الروسية) الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، وهو من تأليف مجموعة من الكتّاب الروس، وترجمة: د. أيمن أبو الشعر؛ تعتبر ذات طابع مميز، ومختلف نسبياً عن مجمل سياق التجربة القصصية الروسية في تلك الفترة. إذ تحاول هذه القصص بهدوء وفنية عالية استكناه جوهر الحياة المتنوعة في أجواء القرن العشرين العاصفة من خلال تجسيدها لأساليب لا توغل في متطلبات الواقعية الاشتراكية التي سادت فترة الثلاثينيات وحتى الثمانينيات في القرن الماضي.
يمكن تقسيم هذه القصص من حيث التناول والزمن إلى ثلاثة أنواع أو مجالات؛ القصص التي كتبت في مراحل مبكرة قبل تكريس الواقعية الاشتراكية في الأدب والفن عموماً، كقصة «انزياح الجليد» لمكسيم غوركي التي يقترب فيها من ظلال المدرسة الطبيعية سواء في استخدام حتى الشتائم، ورصد مجموعة العمال ككائنات جاهلة لا تبتعد كثيراً عن غرائزها في تصوراتها وممارساتها، مع اعتناء غوركي الشديد برسم الملامح النفسية لأبطاله الذين يتصرفون بما يناسب أجواء مرحلة القصة التي نشرت للمرة الأولى عام 1912.
في حين يدخلنا إيفان بونين وعبر قصته «الفنان المجنون» في حومة حالة متخيلة توحي بأنها جزء من يوميات معيشة يتم رصدها رمزياً عبر قصة هذا الفنان. حيث يحاور بونين في قصته هذه مسار الحياة المتناقضة وظروفها التعيسة، ويتعمق في ذلك مناخياً عبر الريح والبرد والثلج، ويبحث عن التعويض عبر الفن والخلق الإبداعي دون جدوى، فمعادلة الحياة والموت تحسم الأمور مسبقاً لصالح الموت.
أما ميخائيل بولغاكوف فإنه يبدو في قصته «أنا قتلت» أشبه براوٍ بين المشاركين في مسار الأحداث ضد إرادته، وهو يقدم شهاداته على العصر في مرحلة الحرب الأهلية التي امتدت حتى أوكرانيا. وبالعودة إلى السيرة الذاتية لهذا الكاتب نلاحظ أنه قد شارك واقعياً في هذه الحوادث، حيث جُنّد مع القوات المسيطرة في أوكرانيا آنذاك عام 1919، إلى جانب كونه طبيباً؛ وبطل هذه القصة ياشفين هو طبيب كذلك أجبر على الخدمة العسكرية.
المنحى الثاني الذي تشكله هذه القصص هو الحديث عن مرحلة الحرب في قصتين؛ تتحدث الأولى منهما «ما لا ينسى» عن سير المعارك مباشرة في الجبهات مع وصف دقيق لأجواء الحرب وشراستها وهو أمر أبدع فيه بونداريف في الكثير من قصصه.
والقصة الثانية «الثلج» تتناول أيضاً زمن الحرب، ولكن الكاتب باستروفسكي يتناولها بعيداً تماماً عن المعارك وأجوائها حيث ينقلنا مباشرة إلى الجبهة الداخلية وظروف ترحيل المواطنين، وأحداث الحياة اليومية العادية زمن الاقتتال ومفاجآت هذه الحياة.
شؤون حياتية عادية
والمحور الثالث الذي تسلط هذه القصص الضوء عليه هو الحياة بشؤونها العادية؛ ففاضل إسكندر في قصته «عن البحر» يرصد علاقة اليافعين بالبحر في خطواتهم الأولى في الحياة، حتى لتبدو القصة لبساطتها أشبه ما تكون بأنشودة عاطفية وجدانية عذبة.
وقصة فيكتوريا توكاريوفا «عن الحب والرحلات» تتناول حياة مواطن عادي تماماً «سائق تاكسي» بكل روتينها وفجاجتها الرتيبة الأسروية والعملية حتى تصل بالإنسان إلى اللامبالاة المطلقة عبر خيبات الأمل.
وتمازج قصة دينا روبيا «رحلة للروح بين النجوم» بين الخيال العلمي ذي الطابع الصوفي للتأمل، وبين تجسيد الرغبة إلى درجة الإحساس بالخيال كواقع. في حين تبرع الكاتبة لودميلا بيتروشيفسكايا إلى حد كبير في نقل القارئ إلى تخوم العالم الآخر للحظات الموت ورؤاه العجائبية وانعكاساتها الشعورية إلى درجة تغدو معها أعصاب القارئ مرهفة كأوتار مشدودة جداً.
وتشكل قصة «رودولفيو» لراسبوتين منحى رائع في السرد المشوّق، فهي رصد رهيف جداً لفورة المراهقة والشباب والحب الأول غير الواعي، وتناول ذكي لحوادث وعلاقات جاء بها انفتاح الحياة المعاصرة ونمط التحرر الغربي مع قلة تجارب الجيل اليافع.
التاريخ: الثلاثاء9-6-2020
رقم العدد :1001