ثورة أون لاين – بشرى سليمان:
أطفال نخرج للدنيا وتمر الأيام فنكبر،
وبدون حنان الأبوين لا ينمو طفل أو يكبر.
أغنية جميلة من برنامج افتح يا سمسم حفظناها وعشنا كلماتها وتخيلنا أن كل طفل يستيقظ في الصباح ليخرج للدنيا كي يلعب ويدرس ويردد الأغاني ويكبر في حضن أبويه، لم نكن نعلم ببراءتنا الطفولية أن هناك مئات الآلاف من الأطفال يخرجون كل صباح لأداء أعمال شاقة ومرهقة لأجسادهم الصغيرة آملين الحصول على ما يسد رمقهم ورمق من يعملون لأجلهم.
ولم تكن ظاهرة عمل الأطفال معدومة قبل الحرب العدوانية الظالمة على سورية ولكن من الإنصاف القول إنها كانت منخفضة نسبياً، على الأقل عما نشهده حالياً من استغلال للأطفال بأشكال متعددة أهمها تشغيلهم وتسخيرهم في أعمال ما زالوا غير مؤهلين جسدياً ونفسياً للقيام بها، علماً أن العديد من الاتفاقيات الدولية قد جرمت الاستغلال الاقتصادي للطفل، وأداء أي عمل يمكن أن يعوق أو يضر بصحته أو بنموه الجسدي أو العقلي أو النفسي أو الاجتماعي.
إن الحرب التي تخوضها سورية ضد الإرهاب العالمي كانت سبباً رئيسياً مضافاً إلى عذابات أطفالٍ اضطروا إلى العمل بدوام كلي أو جزئي لإعالة أنفسهم و أسرهم ربما بسبب النزوح إلى المناطق الآمنة أو فقدان المعيل أو مساعدة أسرهم في الظروف الاقتصادية القاسية التي نشهدها، دون الاكتراث بنوع العمل الذي يكلفون به والمخاطر والاعتداءات التي قد يتعرضون لها أثناء عملهم، ما ينعكس عليهم فيما بعد صحياً وجسدياً ونفسياً واجتماعياً وهذا ما أكدته الدكتورة سوسن أحمد الاختصاصية بعلم النفس عندما بدأت بالحديث عن أن عمالة الأطفال تشير إلى الأعباء الثقيلة التي يتحملها الأطفال والتي تُهدد صحتهم وسلامتهم ورفاهيتهم وتحرمهم من أن يعيشوا طفولتهم الطبيعية.
ولفتت إلى أن وجود ظاهرة عمالة الأطفال يرتبط بدرجة تقدم المجتمع أو تخلفه، فهناك العديد من الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة نذكر منها الفقر كعامل أول وأساسي واليتم والبطالة والتسرب المدرسي والحروب والكوارث الطبيعية والتي من خلالها تظهر أشكال عديدة لاستغلال الأطفال وتشغيلهم، تتنوع بين أعمال الميكانيك والإصلاح ومهن البناء والنجارة والحدادة والتسول وتلميع الأحذية وتنظيف زجاج السيارات والعتالة والمخدرات والدعارة، ولا تقتصر أضرار عمالة الأطفال على مجال عمل محدد وبالتالي فإن آثار تشغيلهم تختلف باختلاف الأعمال التي يقومون بها وتعود أضرارها بالمجمل على الجانب الصحي لهم على المدى الطويل كسوء التغذية والإصابة المباشرة بالحروق والجروح والكسور جراء أدائهم أعمالاً تفوق قدرتهم الجسدية أو بسبب العقاب البدني من قبل رب العمل، إضافةً إلى الأذى النفسي الذي ينعكس عليهم بالعزلة الاجتماعية والاكتئاب وضعف الروابط العاطفية وإمكانية ممارسة سلوكيات خطيرة كالجرائم في بعض الأحيان.
وتضيف أحمد: إن حرمان الأطفال الذين يعملون في سن مبكرة من طفولتهم ومن حقهم في التعليم وحقهم في امتلاك مهارات اجتماعية يساهم بانخفاض ثقتهم بأنفسهم وضعف في قدرتهم على التواصل الاجتماعي بالأسرة والمجتمع وتعلم سلوكيات سلبية كالتدخين وتعاطي المخدرات والعدوان بأشكاله المختلفة.
وقد ظهر مؤخراً مصطلح “عمل الأطفال الإيجابي” والذي يشير إلى الأعمال التطوعية أو حتى المأجورة التي يقوم الأطفال بها والتي تتناسب مع أعمارهم وقدراتهم ويتعلمون من خلالها تحمل المسؤولية والتعاون والتسامح والتطوع مع الآخرين.
والجدير ذكره أنه لا تتوافر إحصائيات دقيقة عن عمالة الأطفال في سورية بسبب المدة الطويلة للحرب العدوانية عليها، ولكن هذا لا يمنع من ضرورة تضافر جهود جميع الجهات المعنية، الرسمية والأهلية، للحد من هذه الظاهرة الخطيرة وفرض عقوبات على كل من يستغل الطفولة التي هي المستقبل الواعد الذي يجب أن يكون مشرقاً ويوفر الأمن والطمأنينة لأطفالنا ليساعدهم على نمو شخصياتهم نمواً سليماً ليصبحوا فيما بعد مواطنين صالحين داعمين لتطور وازدهار بلدنا الغال