ثمة قول مضلل أكثر مما يمكن أن يتصوره العقل: نحن الآن في عصر تدفق المعلومات وتفجر المعرفة، وصار بإمكاننا أن نعرف كل شيء، هل هذا صحيح حقاً؟ بداية، نعم نحن في عصر تفجر كل شيء، والمعرفة ليست تتشظى إلى كواكب ومجرات كل لحظة، ولا يمكن للمرء أن يعد ويحصي ما يتفرع ويتدفق منها، العالم كله في انسكاب معلوماتي يأتي من كل حدب وصوب، لكن الكثير من الجهات الفاعلة هي الأكثر قدرة على أن تحتل نصيباً كبيراً فيما تريد أن ترسله للعالم.
بالتأكيد، الشابكة ومشتقاتها من مواقع التواصل الاجتماعي، هي الجيش المعلوماتي الأكثر رعباً، والموجه إلى حيث يريد من يديره، ويخوض معاركه من خلال الأزرق الذي استلب كل شيء منا وفينا، وجعلنا أسرى التقنية ومتلقين، لا مصدرين، من هنا يبدو الجزء الثاني من المقولة، حول معرفة كل شيء، غير صحيح، بل الأصح أننا في عصر التضليل والعمه المعرفي، فبمقدار ما نملك من كم هائل من التقنيات والمعلومات التي تصب في أزرقنا نحن، ولسنا صناعها، بمقدار ما يكون التضليل والجهل.
نعم، نحن على دراية بالكثير مما كنا نحتاج سنوات لمعرفته، لكن ماذا وكيف؟ ولمن يوجه؟ وما الرسالة التي يريدها؟ هنا الغاية التي يجب أن نقف عندها، هل تويتر وفيسبوك والواتس أب، والخدمات المجانية التي يديرها ويقدمها الغرب، مجانية؟ وهل دبت روح الإنسانية فيهم فجأة حتى يضعوا هذا الأزرق تحت تصرفنا؟
أي بضاعة مجانية، مهما كانت، ثمنها من يأخذها، من يتعامل معها وبها، والثمن هنا حسب مقدار الوعي والمعرفة، فكلما كان الجاهل مستهلكاً لها، كان الثمن غالياً ومرتفعاً، وهذا ما دعا أحد علماء الغرب إلى القول: البيانات هي بترول المستقبل، هي الثروات، من الأزرق أنت مراقب، مخترق، موجه، كل ما يخطر ببالك من وسائل التجسس كامنة به، لم يعد عدوك بحاجة إلى تكاليف باهظة لمعرفة ما يريد عنك، يعرف كل شيء، نحن نقدمها له على بساط من ادعاءات..
في هذه الحرب المجنونة على سورية كان للأزرق هذا دور هدام وفتاك، ولاسيما عند بعض من يمكن بلا خجل أن نسميهم قطيعاً أزرق، ما إن يكتب أحدهم كلمة مهما كانت إلا وتجد من ينسخ ويلصق وينشر ويعمم، ويثير الفوضى والقلق، في الجعبة ملايين الأمثلة التي يمكن أن تسرد وتقدم، وقعنا ونقع في أحابيلها عن قصد، أو دون قصد، وقد كانت الأيام القليلة الماضية مثخنة ومثقلة بهذا الطفح الأزرق الذي علينا أن نعي كيف يكون أداة للتفاعل الخلاق، لا مصدراً للإشاعات بقصد حصد الإعجابات وغير ذلك؟
ثمة عدو يعمل، يترصد، يتابع، يدس كل شيء، وثمة مغفلون يسبحون معه، بعضهم عامداً متعمداً، وآخرون عن جهل. اليوم نحتاج إلى ضبط الإيقاع، والوعي والمعرفة، فقد طفا هذا القيح الأزرق إلى حدود بدت أنها أكثر من قاع أسود مملوء بنفايات وقذارات منتنة كم يضخها ويعمل عليها.
معاً على الطريق- ديب علي حسن