في واحد من مؤلفاتها، تحدثت حنا أرندت عن مفهوم (الكنز) الذي يكتشفه المرء بداخله بعدما يتعرض لأزمة أو كارثة تصفها بالتاريخية.
في أرشيف كل منا، ذلك الأرشيف الشخصي.. ثمة أزمات عدة تتقاطع مع تلك العامة لتصل إلى ما يمكن تسميته كارثة.
لعل حجم الكنز الذي قالت عنه أرندت يتضاعف كلّما تضاعف حجم كوارثنا شخصية، فردية، أو جماعية.
ما السبيل إلى التنقيب عنه ومن ثم الحفاظ عليه وصولاً إلى آلية استثماره بأقصى ما يمكن؟
أحياناً حين نكون على حافة هاوية، معلقين على شفا الرمق الأخير من قدرتنا على التحمّل، نكتشف ونُبصر في أعماقنا.. في مناجم كينونتنا ذلك الكنز الذي سمّته أرندت “فسحة زمنية”.. فسحة فاصلة بين ضعفنا وقوتنا بين استسلامنا وجبروتنا.. نهتدي بوسيلتها لرؤية أدوات قوة كانت خامدة وساكنة في بواطن ذواتنا.. نشحذها من جديد ونقلب بواسطتها تربة أعماقنا الفسيحة مهما كانت تتآكلها الأعشاب الضارة.. نسمح لها بالتنفس وتجديد هوائها لتمرير إمكانية خلق حياة جديدة.
في كل مرة تعتقد أن أدوات مواجهتك لأي من الأزمات التي تعترض مشوار عمرك، نفدت.. تكون حقيقةً في حالة كمون ثم سرعان ما تنتقل لحالة تأهب جديدة لإعادة خلق واكتشاف طاقة متجددة لا تنفد..
وكل ما عليك هو تدريب نفسك على استبصار كنوزك المخبّأة.. عبر فسحةٍ شديدة الخصوصية لا يعلمها إلاك.
لعل أرندت أرادت حين وصفتها “بالزمنية” التعبيرَ عن إمكانية خلق بعد زمني خاص بكلّ منا.. هكذا تتحول الفسحة مسافةً زمكانية.. تتملك من خلالها أبعاد وجودك تعيد تشكيله من جديد لمواجهة عواصف الحياة مهما اشتد جنونها.
هل نحتاج لعملية “تفكيك الذات” لغاية تحليلها ثم تالياً فهمها عبر الغوص نحو أغوارها العميقة.. لنتمكن من العثور على كنوزها وانتشالها من تحت غبار الوقت المتكاثر بفعل الإهمال وسيادة روتين “اليومي” الذي يطحن تمايزات تلك الذات وقدراتها..؟؟
حين نخطو تلك الخطوات فإننا نحصل على أسلوبنا الخاص في إبداع “ذوات فارقة”.. وعلى رأي حنا أرندت “فأننا لا نصنع الإبداع بل نعثر عليه”.
رؤية -لميس علي