ثورة أون لاين – سامر البوظة :
في ظل التغيرات الجيوسياسية وصعود الصين على الساحة الدولية كقوة اقتصادية وعسكرية مؤثرة، لاشك بأن النظام الدولي قد تغير وانتقل إلى مرحلة جديدة،فسياسة القطب الواحد الذي كانت تهيمن عليه الولايات المتحدة بطريقها إلى التلاشي.
ووفق هذه التطورات، كان من الطبيعي أن نشاهد مدى الانزعاج والغضب الأميركي، فالولايات المتحدة لم ولن تقبل بسهولة بتغيير المعادلة لصالح دولة غيرها لتكون القوة العظمى الأولى في المنطقة، سواء عسكريا أو اقتصاديا، لذلك باتت مصممة أكثر من أي وقت مضى على احتواء صعود القوة الصينية بكل الوسائل والحد من تناميها،ولم تترك وسيلة للضغط على بكين إلا واتبعتها. وبعدما أيقنت واشنطن استحالة تضييق الخناق على الصين سياسيا لجأت إلى الجانب الاقتصادي واتبعت كعادتها سلاح العقوبات وافتعلت حربا تجارية لا أحد يعرف كيف ومتى يمكن أن تنتهي؟
إضافة إلى ذلك تحاول الولايات المتحدة اتباع سياسة تصعيدية من خلال تطويق الصين على جميع المستويات من خلال تعزيز حضورها السياسي والاستراتيجي في الجوار الصيني حيث تعتمد استراتيجية إحاطة الصين بالأعداء، وتحاول جرها إلى صراعات في مختلف دول العالم من خلال محاولة تشويه صورتها أمام العالم والتحريض عليها، وهو ما قام به وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي عمد إلى تحريض دول الاتحاد الأوروبي ضد الصين زاعما أن الاعتماد عليها يشكل تهديدا على “الديمقراطيات الغربية”، الأمر الذي عارضته بكين واعتبرت تلك التصريحات هجوما غير مبرر وتشكل انتهاكا واضحا للقواعد الأساسية للعلاقات الدولية،ولا تكشف سوى عن التفكير الأميركي الدائم في الحرب الباردة والتحيز الأيديولوجي.
ولم تكف الولايات المتحدة يوما عن محاولاتها التدخل في الشؤون الصينية الداخلية كما يحدث اليوم بالنسبة لهونغ كونغ، والصينيون لديهم حساسية خاصة إزاء ذلك، باعتبارها جزء لايتجزأ من الصين الواحدة ولا تقبل لأي نوع من أنواع التدخل في هذه القضية؟ وهو ما عبرت عنه بكين بوضوح اليوم عندما وجهت بكين انتقادا شديدا إلى الاتحاد الأوروبي غداة إعرابه عن “قلقه البالغ” بشأن قانون للأمن القومي تعتزم فرضه في هونغ كونغ، مؤكدة أن هذه القضية شأن داخلي وأن الصين ترفض أي تدخل أجنبي في شؤونها الداخلية.
الصين تدرك تماما أن التفوق التقني والاقتصادي هو السبيل الوحيد لحماية وجودها ومصالحها في وجه الغطرسة الأميركية لذلك بدأت بمد جسورها الاقتصادية إلى داخل أوروبا، كما أن اقتصاد بكين القوي وخبراتها العلمية والتقنية الكبيرة يمكنها من مضاعفة نفوذها السياسي في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي ينعكس سلبا على المصالح الأميركية خصوصا في منطقة المحيط الهادئ وأفريقيا، وهو ما يقلق الأميركي ويفقده صوابه، ناهيك عن التفوق العلمي الذي أظهرته بكين في التعامل مع جائحة كورونا وهو ما فشلت به أميركا، لذلك نرى كل هذا التصعيد والتهويل وهو ما حذر منه تقرير سري صيني من موجة عداء غير مسبوقة اتجاه العملاق الآسيوي في أعقاب جائحة كورونا، عداء من شأنه أن يؤسس إلى حرب باردة جديدة وربما مواجهة عسكرية في المستقبل. إلا أنه وبالرغم من ذلك الكل يعرف أن الأمور لن تتعدى ذلك ولن تجرؤ الولايات المتحدة على التهور ولن تصل الأمور حد المواجهة العسكرية. فأميركا تدرك اليوم حاجتها إلى الصين بقدر ما تحتاجها الصين، وستكون تكاليف أي صراع وفوضى باهظة وقاسية على بكين وواشنطن على حد سواء ،وهي تدرك تماما أن الصين باتت عملاقا اقتصاديا وتمتلك قدرات عسكرية هائلة قادرة على الوقوف في وجه الهيمنة الأميركية وتكتيكاتها العدائية.