الملحق الثقافي:لبانة الجندي:
الترجمة فن الكلمة ذات الوجهين.. اللغتين.. ولكل لغةٍ قواعدها وخصوصيتها. والنقل بين اللغتين يحتاج لمهارة مزدوجة. وهذا ما يضع المترجم أمام مسؤولية الكلمة المنقولة من اللغة الأم إلى اللغة الهدف.
لطالما كان هذا هو حلمي عندما قررت دراسة الأدب الإنكليزي. وقد عَمِلتُ على توجيه دفةِ سفينتي المهنية والثقافية باتجاه هذا الهدف. أتقنت اللغة ومفاصلها. درست اللغويات التي تبحث في فقه اللغة، إضافة إلى إتقان لغتي الأم، العربية، إلى الحد الذي يتيح لي أمانة النقل من/ إلى اللغتين. وأقول أمانة، لأن استخدام المفردة في كل لغة له أكثر من معنىً أو مآل. لذا، عند الترجمة، على المترجم توخّي الدقة في اختيار المفردة، إضافة إلى صياغة الجملة، أو العبارة بشكل يخدم المضمون المقصود تماماً، دون التدخّل في المحتوى. فهذا ليس من حقه.
عند ممارستي لمهنة الترجمة، وجدت الكثير من الصعوبات، وبالمقابل الكثير من المتعة. فالصعوبات كانت من حيث الأمانة في الحفاظ على المحتوى، وفي بعض الأحيان كانت المفردات أو المصطلحات صعبة النقل إلى اللغة العربية، بسبب عدم اعتماد هكذا تعابير في لغتنا. وقد واجهت ذلك، مثلاً، في ترجمتي لكتاب «الأنماط اللغوية الاجتماعية» للعالِم اللغوي: خوان هيرنانديز كامبوي؛ حيث كانت هناك بعض المصطلحات عصية على النقل للغة العربية. مما اضطرني إلى استقدام مصطلحات لا تتعارض مع قواعد اللغة العربية، وبنفس الوقت تخدم الفكرة بشكل جيد، أو مقبول على الأقل. على سبيل المثال: (contexualists أي السياقيون، semiotics أي السيميولوجيا/ علم الرموز) ومثلها الكثير. والكتاب بحد ذاته يبحث في ذلك. فاختياري لهذين المصطلحين كان مبتكراً، لكنه معبّر، ولا يتعارض مع قواعد اللغة.
طبعاً هناك أيضاً المجالات الأخرى؛ الفلسفية، والعلمية، والسياسية، وغيرها.. كلها تحتاج لثقافة المترجم في المجال الذي يترجمه، من/ إلى. ولا يكفي فقط امتلاك المفردات؛ كمن يمتلك الحجارة دون خبرة في عملية البناء.
ومن أصعب الترجمات هي ترجمة الشعر في المجال الأدبي. وخاصة المحكي منه. وغالباً يمكن نقل فكرة القصيدة، لكن من الصعب جداً الحفاظ على الروح الشعرية لها، وذلك بسبب خصوصية كل لغة في هذا المجال، من حيث الوزن والموسيقا وغيرها من الخصائص الشعرية.
والمترجم هو مؤلف آخر، ليس لديه الخيار في الموضوع، لكنه مسؤول عن أمانة نقل الفكرة والحفاظ على روح النص المنقول منه.
هذا من الناحية المهنية، والأمانة العلمية. أما فيما يتعلق بمهنة الترجمة عندنا، فهي حتى الآن غير منظّمة، ولا يوجد ضوابط، أو بالأحرى، لا يوجد دور ترجمة تعتمد اختيار المترجمين المتمكّنين بمعايير صحيحة، لتكليفهم بترجمة الأعمال المتوفرة لديهم. وما يزال اختيار المترجمين بناء على العلاقات الشخصية، أو الصدف التي يتعرف فيها المترجم على دار نشر ما، أو أية جهة مهتمة بذلك. ومن وجهة نظري، أحمّل وزارة الثقافة هذه المسؤولية. فمن المفترض أن تكون هي الضامن الأساسي لحقوق المترجمين، ولاختيار المترجم الكفؤ، وإعطاء الفرص للمميزين أو الجيدين منهم.
كذلك مهنة الترجمة المحلّفة/ القانونية؛ حيث يتم اختيار التراجمة بناء على مسابقة لوزارة العدل السورية، بدل أن يكون ذلك من اختصاص المعهد العالي للترجمة مثلاً. وليس هناك نقابة تضمن حقوقهم أو حتى بطاقات تعريف خاصة بهم. رغم أنني سبق وطلبت ذلك، وأثرت الموضوع مع المحامي العام في مدينتي، الذي نتبع له كمهنيين، لكن لم ألقَ آذاناً صاغية. إضافة إلى أن المترجم المحلف معتمد فقط في محافظته وليس له الحق بممارستها في باقي المحافظات!
أخيراً، وليس آخراً، أتمنى على الجهات المعنيّة رعاية هذه المهنة، وتطويرها، من خلال الاهتمام بالمترجمين الجيدين، والبحث عن المميزين ومنحهم الفرص في أن يأخذوا دورهم في ذلك، حيث تقع على عاتقهم مسؤولية نقل ثقافات الشعوب الأخرى من خلال ترجمتها إلى اللغة الأم، ونشر ثقافتنا بترجمتها إلى باقي اللغات لتوسيع رقعة انتشارها.
وكم استفاد الغرب من أمهات الكتب والمخطوطات العربية التي نقلوها إلى لغاتهم!!
التاريخ: الثلاثاء7-7-2020
رقم العدد :1004