ثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
للسينما حصّة متقدّمة في أيّ مهرجان ثقافي يُقام ضمن المحافظات السورية، فهي تُكمل اللوحة البانورامية للحالة الثقافية السورية عبر ما تقدّمه من نتاج إبداعي، وفي نظرة سريعة على المهرجانات الثقافية التي أنجزت ما بعد (كورونا) هناك مهرجان القنيطرة الذي أقيم خلال الفترة الواقعة بين (18 ــ 24) حزيران، ومهرجان حماة الثاني الذي انطلق في التاسع من الشهر الحالي، ورغم أنهما ضمّا أفلاماً حديثة ينتظرها الجمهور بشغف إلا أن الحرص كان واضحاً على إضفاء طابع الخصوصية والتنوع فيهما، فاللافت أن مهرجان القنيطرة عرض فيلمين يحاكيان في خصوصيتهما أهل المنطقة، وهما من إخراج غسان شميط (شيء ما يحترق) إنتاج 1993 و (الهوية) إنتاج 2007 ، وكذلك الأمر في مهرجان حماة الذي يعرض فيلمين يحاكيان خصوصية أهل المنطقة، وهما من إخراج ريمون بطرس (الطحالب) إنتاج عام 1991 و (الترحال) إنتاج عام 1997 ، والأفلام الأربعة من إنتاج المؤسسة العامة للسينما .
حملت هذه الأفلام طزاجتها وحضورها من خلال الفكر وعمق المعالجة اللذين تقدمهما ضمن لبوس حكائي جاذب، انطلقت من الخاص إلى العام مجسّدة مقولة أنّ الغوص في المحلية جواز سفر نجاح العمل حتى خارج الحدود، وربما الجوائز التي نالها عدد من تلك الأفلام الدليل الأمثل على ذلك، وبالتالي ربما هذا أحد أوجه أهمية تلك الأفلام رغم مرور سنوات طويلة على إنتاجها، فالسينما الحقيقية لا تموت وإنما تبقى مؤثرة والصوت الصارخ بحرارة لأنها تحمل عناصر بقائها، وضمن هذا الإطار لا بدّ من التوقّف عند أماكن عرض هذه الأفلام في المهرجانات الثقافية ، فلم تُقتَصر على المركز وإنما توزّعت إلى عدة مناطق في محاولة للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الجمهور .
وربما تجتمع الأفلام القديمة والحديثة التي تم إنتاجها ضمن القطاع العام تحت مظلة سمة أساسية تخفت هنا أو تظهر جلية هناك ، ولكنها حاضرة ، وهي تنوعها وسعيها في المجمل للولوج إلى عمق القضايا والهموم التي تمسّ حياة المواطن العربي عموماً والسوري خصوصاً ، في محاولة منها لتكون أداة تنوير وتوعية وتحريض للفكر ، فطرح مبدعوها موقفهم من الحياة ، هذا الموقف غير الحيادي الذي يعكس رؤى ويثير أسئلة ، وقد اختلفت وتعددت موضوعات هذه الأفلام ، ومما تناولته: قضية الهوية ، القضية الفلسطينية واللاجئون ، سورية ولبنان ، الحب ، المهمشون ، الفساد ، العادات والتقاليد ومحاولة التمرد على البالي منها ، نظرة المجتمع للمرأة ، هزائم الإنسان العربي في لحظات تاريخية مهمة في محاولة لقراءتها واستشراف الحاضر والمستقبل ..
وفي نظرة سريعة على الأفلام السورية نجد أن الكثير منها قد حظي بجوائز مهمة ، ولكن هذا لا يعني أن وجودها مُقتصر على المهرجانات فقط .. فذلك قول يجافي الحقيقية ويقلل ويُسطّح معنى السينما كفعل إبداعي يستثير العقل ، وإنما هي أفلام بعيدة عن الاستسهال والسطحية ولا يمكن إدراجها ضمن إطار أفلام الاستهلاك ، لا بل إنّ حضورها ضمن التظاهرات والمهرجانات العربية والدولية يجعل منها سفيراً إبداعيّاً سوريّاً يعكس فكراً ورؤى ومواقف ، ويُظهِر وجهاً حضارياً راقياً، وفي النتيجة هي تجارب يجمع فيما بينها أنها في أغلبيتها تحوي مضموناً مهمّاً، ولغة بصريّة سينمائية بعيدة عن الاعتياد ، وإن تنوعت في مستوياتها وموضوعاتها ومشاربها الإخراجية.