الملحق الثقافي:نعمان برهوم:
حاول الإعلامي باسم عباس مقاربة أدب الحرب خلال ٢٠١١ – ٢٠٢٠ في كتاب قيم ربط فيه عنوانات النصوص على نحو يكاد يكون عاماً بالمعطى المضموني للغة المتحققة؛ فكانت عتبات حيويةً وحقيقيةً لما جاء بعدها؛ ولا نبالغ إذا قلنا: إن الموضوع الرئيس الكبير في أدب الحرب هو الإنسان في تنازعاته الضدية المعيشة على المستويات الفكرية، والنفسية، والسياسية، والاجتماعية، والدينية، والإثنية..إلخ. وقد ساد الحقل الدلالي الذي يتمحور حول الإنسان وانتشر بغزارة في كل النصوص موضع التحليل؛ مما شكل نسيجاً لغوياً متسقاً تنوعت تمظهراته بين النثر، والشعر.
كما طرح الخطاب الأدبي المعاصر مقولات فكريةً متنوعةً، أسهمت في كثير من السفر المعرفي الحي إلى تخوم لغوية تكشف اللثام عن أشياء كانت ولا تزال تقع لدى كثير من الفئات الاجتماعية (العامة والخاصة) في دائرة المحرم (التابو-taboo or tabu )؛ من مثل الحديث عن التمييز الطائفي، والتكفير، والإرهاب، ونكاح الجهاد، والذبح، وتقطيع الرؤوس، وحرية العقل الإنساني، والسلطة، …إلخ. كما عبرت عن جرأة في الطرح تمثلها الفكر النصي، والعنصر الفني، والمكان، والحال، وتتواءم التحققات النصية مع تطور فكر المبدع المعاصر المميز الذي يحاور على أرضية نصه الفكر المناقض الآخر، ويحاول أن يعيده إلى دائرة المواطن والوطن بتعدديته الثرة الخصبة.
وجعل لغة النصوص المحللة تعتمد على التنازعات الضدية التي ولدتها معطياتٌ حياتيةٌ تعج بالصخب والقلق على مستوى الواقع الدينامي المعيش الذي انعكس بدوره على كل أصناف الكتابة، ولما كانت الحياة عزيزةً ومتقلبةً كان أديب الأزمة المثقف الواعي يأخذ ذلك بعين التقدير؛ فيهادن على نحو توافقي حين يتطلب المقام ذلك، ويسلط كتابته المحاججة الساخرة اللاذعة حين توجبها لحظة الإنشاء. من هنا اتكأ هذا الأديب على التنوعات الكتابية الضدية شكلاً ومضموناً (ثنائياتٌ فكريةٌ ضديةٌ، وعلاقاتٌ لفظيةٌ ظاهريةٌ توازيها؛ ككثرة الطباق، والمقابلة، والمشترك اللفظي المتضمن للتضاد، وغير ذلك).
كما تبدو الصورة البلاغية في النصوص الشعرية المتخيرة؛ كـ (التشبيه، والاستعارة، والكناية، والمجاز المرسل، والصور المتداخلة؛ أي القائمة على المشابهة والمجاورة معاً) شعرية الملامح؛ فهي تنماز بما يأتي:
– الصورة عضويةٌ في بناء لغة النص/ القصيدة، ولا يمكن أن تستنطق دلالاتها إلا مع الاستنطاق الكامل للنص المتحقق.
– يكتنز تصوير الشاعرين: نزيه أبو عفش، وشوقي بزيغ بكثير من الجمال التخييلي المجنح الساحر المشع من خلال طريقة العرض اللغوي، ومن خلال خصوبة الإيحاءات المؤثرة؛ وفي هذا موهبةٌ صقلتها القراءات والمعرفة.
– كثرت فيه صور المشابهة ولا سيما التشبيه التمثيلي والاستعارة المركبة الممتدة، وهذا النوع من الصور يحتاج إلى كد ذهني يتأسس على العقل المحاجج في الخطاب النثري بدرجة كبرى، وعلى التخييل المحلق في الشعر، ويستخدم مبدع الصورة في النصوص المتخيرة للدراسة كثيراً من المحسوس الذي يشحنه بمعطيات الخصبة.
إن العناصر التي شكلت الصورة بأنواعها المختلفة نقلت الدال الحسي في مواضع ملفتة وأزاحته عن مدلولاته المرجعية المستقرة قاموسياً أو ذهنياً؛ فصار ميدان التخييل موازياً لقدرة العقل الإنساني على صياغة حياته وموقفه وموقعه في هذا الوجود. وتتشابك الصور في قصيدتي: نزيه أبي عفش، وشوقي بزيغ؛ مما يجعل الصورة المتداخلة (المشابهة + المجاورة) حاضرةً وفاعلةً، وملائمةً للحوار مع الآخر إثر قراءة المبدع للواقع وللآخر في آن.
-تتناص لغة أدب الأزمة مع النصوص العليا في العربية؛ فتمتح من لغة الإعجاز القرآني، وتفيد من الحديث النبوي الشريف، وتأخذ كثيراً من الأثر، والخبر، والمكان، والمثل، والواقعة، والأعلام، وأسلوب الخطابة عن الصحابة، ولا سيما عن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، وعن غيره من السابقين، كما تتضمن اللغة المتحققة آثاراً أسلوبيةً حاكت كتابات الآخرين واستحضرت ثقافات أخر وشخصيات وأعلاماً إنسانيين مؤثرين ومدهشين من مثل: باخ، وآنجلو، وبتهوفن…إلخ.
وقد وظف المخاطب والشاعر تناصاته لتحريك الثابت الساكن الصامت في وجه التطرف الأحادي الأعمى.
إن التناص ظاهرةٌ حيةٌ في خطاب أدب الأزمة نثراً وشعراً، وهي تحتاج إلى دراسة قائمة بذاتها؛ ولما كانت واسعة الأطياف تستند- على نحو رئيس- إلى الأنموذج اللغوي المعجز (القرآن الكريم) فقد آتت أكلها جنى طيباً انعكس على تقنية الأداء الشكلي فصار أكثر نضارةً وبهاءً، كما انعكس على المضمون فجعل صاحبه ذا عمق يستبطن أكثر مما يقول؛ وهنا أجدنا كمتلقين مشدودين إلى الغائب الحاضر النصي؛ أي إلى المعاني الثواني (معنى المعنى) التي تكتنز بها لغة النصوص المحللة.
– ثمة خصائص أسلوبيةٌ تميزت بها لغة النثر في خطاب السيد الرئيس بشار الأسد، وخطاب السيد حسن نصر الله، وخطاب الشهيد الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي (رحمه الله)، وتجلت في النصين الشعريين أيضاً؛ نذكر منها:
– التوازن الإيقاعي النحوي الذي يتساوق مع إيقاعات صوتية متوازنة على مستوى حركة المقاطع الصوتية. والتماثل الصوتي تنوع تركيبياً (أقل من جملة، فجملة، ثم ما هو أكبر من الجملة) وغالباً ما جاء التماثل الصوتي متوازياً مع التماثل الإيقاعي النحوي.
– اشتمال لغة أدب الحرب على تلوينات فكرية عقلية حياتية فرضتها فلسفة اللغة النابعة من المفهوم المناقض للغة القتل، والذبح، والاستلاب، والظلم، والمصادرة؛ وقد دافعت النصوص المدروسة عن جوهر الأديان من قلب فضاءات الأديان، كما دافعت عن الإسلام الإنساني المعتدل الحق وفاقاً للبرهنة، والعقل، والمنطق، والتأمل المجاوز؛ من هنا يجد القارئ لنص أدب الأزمة تعالق اللغة بغائية الخطاب الذي يبغي إثبات المقولات الدينية على أسس نصية عقلية لا نقلية بحتة مغلقة.
– تكمن بلاغة النص النثري المحلل في النكهة الأسلوبية الكلية التي تجمع النص والنص المضاد، والنص المختلف والنص المؤتلف، إن على مستوى الشكل أو على مستوى المضمون؛ ففي خطاب السيد الرئيس – عل سبيل المثال- تجد: (الكلام النظري والأمثلة التطبيقية، والانتظام السياقي المبني على تيمات تولد وحدةً عضويةً، وثمة فكرةٌ تتمحور عليها لغة الخطاب تقابلها فكرةٌ مناقضةٌ، أو مختلفةٌ، أو متقاربة…إلخ).
التاريخ: الثلاثاء14-7-2020
رقم العدد :1005