استطاع “الدوبلاج” تحدي الظروف الصعبة والعقوبات والحصار، محافظاً على مكانته المتقدمة كصناعة راسخة ممهورة بختم مبدعين سوريين كرسوا حضورها سنة بعد أخرى، لدرجة أنه تمّ عام 2023 اعتماد اللهجة السورية ضمن خيارات العرض كلهجة أساسية للدبلجة في منصات عالمية مثل “ديزني” وغيرها، رغم العقوبات والحصار.
واليوم بعد الحديث عن رفع العقوبات، وفي حال دخلت حيز التنفيذ، تبرز مجموعة من التساؤلات التي تتمحور حول عنوانين عريضين، الأول كيف كانت آلية العمل قبل رفع العقاب، والثاني ما الآفاق المرجوة بعد رفع الحصار؟.
جملة من المصاعب

“طيلة السنوات الـ 12 الأخيرة، كنا ننفذ أعمالنا في سورية، بعد إبرام العقود مع الشركة المصرية.
فما يهمهم أن يكون للشركة سجل تجاري غير سوري ليتعاقدوا معها، ولكن واجهتنا مشكلات في التحويل المالي لسوريا، خاصة أن التعامل بالدولار حينها كان بحد ذاته مشكلة، أضف إلى ذلك أننا كنا نتعامل مع 200 ممثل، والعديد منهم يقطنون في ريف دمشق أو بالمحافظات، وبالتالي أي حدث أمني ربما يمنعهم من الوصول إلى العمل، في الوقت الذي نرتبط فيه بمواعيد تسليم للحلقات، وهي مشكلات كانت تحدث على مدار اليوم، تدفع ثمنها من مالك وجهدك وأعصابك”.

قوانين لدعم الاستثمار
ويؤكد أنهم كشركة لا يزالون يعملون وفق العقود القديمة المُبرمة مع المحطات، ولكن لديهم الرغبة بإبرام العقود الجديدة باسم الشركة السورية، معرباً عن تفاؤله بأن تراعي القوانين في المرحلة القادمة ما مرّ على المستثمرين من ضغوطات في السنوات السابقة لترميم الحقبة الماضية، خاصة أنهم لم يتركوا البلد، لا بل خرجوا بعملهم لدول أخرى لإنجاز ما يدعم عملهم في سوريا، قائلاً:
“هناك فرق بين أن أصارع على جبهتين، جبهة المنافسة في السوق وجبهة الأمور اللوجستية بما فيها تحويل الأموال وتوفر أدوات العمل، وبين أن أصارع على جبهة واحدة فقط وهي المنافسة الفنية فقط”.
مشدداً على أهمية أن تكون قوانين الاستثمار مريحة، وأن يكون هناك رعاية من الدولة لهذا القطاع.

اللهجة السورية
وأعتقد أن النظام البائد لم يكن مسروراً بدبلجة الأعمال التركية في سوريا، لكنه تغاضى عن ذلك، لأنها تشكل دخلاً اقتصادياً وكان من الصعب منعها”.
وعن الآفاق المرجوة عند رفع العقوبات، وإن كانت تساهم في فتح الآفاق نحو شركات ومنصات ومحطات جديدة، يقول: “سوق الدوبلاج أساساً متوسع لأن الميديا انفتحت على بعضها البعض من الثقافات كلها، وما يساعد على التوسع بالنسبة إلينا هو اللهجة السورية، فهناك جالية عربية كبيرة في المغترب إضافة للمشاهد العربي، وكلهم لديهم الرغبة بمشاهدة العمل مدبلجاً باللهجة السورية أو بالفصحى التي يتميز بها السوري والأردني واللبناني”.
وينوّه إلى تحدٍّ قادم متمثلاً بالذكاء الاصطناعي، حيث باتت هناك حصة من سوق “الدوبلاج” تذهب باتجاهه، وإن لم تظهر حالياً، مشيراً إلى أن 90% من الكتب المسموعة التي كانت تُدبلج باتت تُنجز بالذكاء الاصطناعي، مع فارق الجودة وضبط اللغة، ولكن اليوم حتى المستمع لم يعد يدقق كثيراً بالأخطاء “للأسف”، مؤكداً أن معايير الجودة تتغير، ما يفرض تحدياً أمام شركات الدوبلاج بالمحافظة على مثلث “الجودة، الكلفة، الوقت”، موضحاً أنها مشكلة عالمية.
معايير عالية الدقة

ويتابع: “بسبب العقوبات كان ممنوعاً علينا التعامل مع الشركات الأوروبية والأمريكية، رغم أن اللهجة السورية مطلوبة.
وكان يحدث أن تتم دبلجة هذه الأعمال في دول مجاورة أو تُدبلج بعض الأعمال في سوريا عن طريق وسيط، وعلى سبيل المثال لا تستطيع (نتلفكس) التعامل بشكل مباشر مع شركة في سوريا، ولكن تتم الأمور عبر شركة وسيطة يكون العمل لها، حيث تقوم بإرساله إلى سوريا ويُدبلج ويعود للشركة الوسيطة التي تبيعه لـ (نتلفكس) التي لا يكون لها علاقة بما حدث وإنما أخذت مُنتجاً جاهزاً من هذا الوسيط”.
ويشير إلى أن اللجوء إلى “شركة وسيطة” حرم البلد من دخل إضافي، لأن مثل هذه الأعمال من المفروض أن تُدبلج بسوريا.
وعن أثر رفع العقوبات على عمل شركات الدوبلاج، يقول: “يؤثر رفع العقوبات إيجابياً على كافة شركات الدبلجة، لأنه يصبح بإمكانها التعامل مع كافة المحطات التلفزيونية والمنصات العالمية دون أي قيود أو شروط، وتنفذ الأعمال في سوريا”.
الآفاق المرجوة
ورفع العقوبات من شأنه أن يزيد عدد ساعات البرامج المطلوبة للدبلجة، أي زيادة عدد العاملين في هذه الصناعة من ممثلين وفنيين ومترجمين ومعدين وإداريين، وبالتالي زيادة الدخل”.
وحول الشروط التي ينبغي توفرها في شركة الدبلجة، يقول: “لن تتعامل المحطات والشركات العالمية إلا مع شركة دوبلاج لها تاريخها وتلبي متطلباتها من حيث الجودة، ولديها استديوهات نظامية”.
وإن كانت هناك محطات تتعامل مع شركات دبلجة معينة أم إن السوق مفتوح للمنافسة؟، يقول: “السوق فيه منافسة، ولكن هناك منصات ومحطات تتعامل مع عدد محدد جداً من الشركات، لأنها انتقائية ولديها معايير عالية الدقة، ليس فقط بموضوع الجودة ولكن تتدخل حتى في التفاصيل”.
