الثورة – إيمان زرزور
تسعى الحكومة، في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، إلى إعادة ضبط بوابات البلاد البرية والبحرية، ضمن جهود حثيثة تهدف إلى مكافحة تهريب المخدرات، وتحسين بيئة العمل الجمركي، واستعادة ثقة الفاعلين المحليين والدوليين في المرافئ السورية، ولا سيما مرفأ اللاذقية الذي كان يوصف سابقاً بـ”معبر الكبتاغون”.
تشير المؤشرات إلى تحولات جذرية في طريقة إدارة المنافذ السورية، أبرزها إدخال وحدات الكلاب البوليسية (K9) في عمليات التفتيش، وتفعيل أنظمة رقابة رقمية حديثة، ورفع كفاءة العاملين عبر برامج تدريب مكثفة، وهي خطوات تأتي ضمن إستراتيجية وطنية لإغلاق ثغرات التهريب وإعادة الاعتبار للسيادة الجمركية.
قبل كانون الأول 2024، ارتبط اسم مرفأ اللاذقية بعمليات تهريب ممنهجة، تولّتها الفرقة الرابعة التي حولت المرفأ إلى نقطة عبور رئيسية لشحنات الكبتاغون نحو الخارج.
ومع استعادة السيطرة على المرفأ، كشفت الجهات الأمنية مستودعات كانت تستخدم لتصنيع المواد المخدرة ضمن منشآت مدنية، ما كشف حجم الانفلات السابق وخطورة الشبكات التي كانت تدير هذه العمليات.
اليوم، تعمل الإدارة الجديدة على بناء منظومة رقابية متكاملة، تشمل إجراءات تفتيش متعددة المراحل، تهدف إلى ضمان خلو الصادرات من أي مواد ممنوعة، ورفع سوية التصدير والاستيراد، بما يتماشى مع المعايير الدولية، وبحسب تصريحات لمدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ، مازن علوش، فإن الإجراءات الجديدة تسعى إلى تعزيز التنسيق بين الأجهزة الأمنية والجمركية، بما يضمن حماية الأمن القومي، وتنظيم حركة التجارة المشروعة، وسط بيئة إقليمية شديدة التعقيد وضغوط دولية متنامية لمكافحة الاتجار غير المشروع.
وقد أسهمت هذه الإجراءات في تقليص زمن التخليص الجمركي، وتحسين شفافية الإجراءات، وتقليل حجم الابتزاز والفساد الذي كان سائداً، الأمر الذي عزز من ثقة المستثمرين والتجار.
يرى خبراء أن ما يجري لا يندرج فقط ضمن محاربة تهريب المخدرات، بل يمثل توجهاً نحو إعادة بناء الثقة الاقتصادية بين سوريا والعالم، فالمرافئ النظيفة من الشحنات الممنوعة تجذب خطوط الشحن الدولية، وتفتح آفاقاً جديدة في الأسواق الخارجية، وهو ما يعزز قدرة سوريا على إعادة التصدير والاستيراد بشكل آمن ومستقر.
ويؤكد التجار المحليون أن التحول في أداء المرافئ انعكس مباشرة على بيئة العمل، حيث أصبحت العمليات أكثر احترافية وأقل خضوعاً للنفوذ العسكري، وهو ما يفتح المجال أمام مرحلة اقتصادية جديدة في البلاد.
التحولات الأخيرة في المنافذ السورية، وخاصة البحرية منها، تعبّر عن مقاربة متكاملة تنطلق من الأمن وتصل إلى الاقتصاد، فبين مكافحة تهريب المخدرات وبناء بيئة تجارية موثوقة، تسعى الحكومة السورية إلى تثبيت معادلة جديدة تعيد للبلاد سمعتها كممر تجاري آمن، وتكرّس سيادة الدولة على معابرها الحيوية بعد سنوات من الفوضى والانفلات.