الملحق الثقافي:إعداد: رشا سلوم:
كثيرون لا يعرفون عن سلفادور دالي سوى أنه الفنان الذي غرد خارج السرب تماماً وكانت السوريالية الفنية على يديه ملحمة خارج كل مألوف، ولكن أن يكون روائياً، فهذا أمر فاجأ الجميع، ولاسيما أن الرواية الوحيدة واليتيمة التي كتبها كانت من النضج ما جعل الكثير من النقاد يعدونه أشهر من كتب رواية واحدة وحلق بها عالياً.
وهنا نشير إلى ضرورة البحث الدائم في كواليس ودفاتر المبدعين، فكم من شاعر أو روائي، طمست الكثير من أعماله غير المعروفة بغفلة من الزمن، بعضهم كان فناناً تشكيلياً، مع موهبة الشعر أو الرواية، ولكنه لم يظهر ذلك، من هنا تأتي أهمية كل قصاصة ورق، أو أثر يتركه المبدع، وعلى عاتق ومسؤولية الأهل أولاً، الحفاظ على ما تركه المبدع، وهذا ليس مسؤوليتهم فقط، بل مسؤولية محبي المبدع أي مبدع، ومن ثم الجهات التي تعنى بالتوثيق ونشر أعمال أي راحل من الكتاب والمبدعين، ولاسيما الآثار غير المعروفة.
لماذا كتب سلفادور دالي روايته اليتيمة «وجوه خبيئة»؟
يجيب دالي: »أولاً: لأن لدي وقتاً كافياً لأفعل كل ما أريد، وأردت أن أكتب هذه الرواية. ثانياً: لأن التاريخ المعاصر يقدم إطاراً فريداً للرواية التي تتعامل مع تطورات وصراعات العواطف الإنسانية العظيمة، ولأن قصة الحرب وبشكل خاص، الفترة اللاذعة لما بعد الحرب، يجب أن تكتب حتماً. ثالثاً: لأنني إن لم أكتبها فسيقوم شخص آخر بكتابتها مكاني وسوف يكتبها بشكل سيئ».
سلفادور دالي، فنان إسباني (1904-1989) تشجع على ممارسة الفن في عمرٍ مبكر، درس الفن بكلية مدريد. يعتبر دالي من أهم فناني القرن العشرين، وهو أحد أعلام المدرسة السوريالية. يتميز بأعماله الفنية التي تصدم بتشكيلاتها وغرابتها، وفي حياته وفنه يختلط الجنون بالعبقرية، لكنه يبقى مختلفاً واستثنائياً. «وجوه خبيئة» روايته الوحيدة، أصدرها عام 1944 باللغة الفرنسية.
ورد في صحيفة نوفيل أوبسرفاتور ما يلي: «في أحد الأيام سلم دالي لميشيل ديون نصاً جديداً عنوانه «مركبة فضاء الفقراء»، وكان لعنوان هذا النص دلالة خاصة، إذ إنه في نهاية الخمسينات عندما استطاع السوفييت إطلاق مركبة سبوتنيك ووضعها في مدار حول الأرض، دالي لم يفته الحدث إذ كان يتابع أخبار الساعة جيداً، وبما أن هذا النص أثار إعجاب جان كلود فاسكيل، فقد عرض هذا الأخير على ميشيل ديون أن يقوم بنفسه بعملية الاقتباس هذه، إلا أن الناشر أضاع المخطوطة المنسوخة التي سلمها له ديون. وأعاد فاسكيل طلبه مرة أخرى من أجل أن ينجز عمله، لكن ديون رفض، وبقيت لديه ليمضي عليها أكثر من خمسين عاماً. وكان مصير الصفحات الثلاثين التي تتألف منها رواية «مركبة الفضاء» هذه أن انتهى بها المطاف على طاولة أحد الناشرين وهي أليس ديون ابنة ميشيل نفسه وهي المديرة المسؤولة عن دور نشر «الطاولة المستديرة»، وتم نشر المخطوطة طبق الأصل حسب النص الأصلي وكانت مكتوبة على دفتر مدرسي حمل عنوان «تريفولي» «الجنون المثلث». وترافقت بنصها المقتبس المنجز بواسطة جان جاندارم، وقد استخدمت ملاحظات هوامش دالي والتي ساهمت بشكل كبير في كتابة «مذكرات عبقري»( كما كانت هناك وثائق مؤلفة من ملاحظات قارئ وعقود وصور أكملت هذا العمل.
الوسواس القهري
القصة تتحدث عن امرأة خادمة مصابة بمرض الوسواس القهري للنظافة، وقد تحملت مسؤولية رجل مقعد عمره أربعون عاماً، وبعد أن استخدمته للتسول، قررت أن ترمي به بين جدران منزلها لتقوم بعدها بحراسته وإطعامه العنب المجفف ثم تتخلى عن وسواس النظافة وبأعصاب باردة تستلسم للقذارة. يقول دالي: هذه المرة حتى القارئ الغبي سيفهم قصدي ألا وهو: اغسل ما لا يمكن غسله واصقل ما لا يمكن صقله.
إنه هزل محزن وهزل مبهج في آن واحد، فهذه الرواية «مركبة فضاء الفقراء» تنتمي إلى القريحة الانفعالية الهذيانية لدى دالي الذي لم يضع حداً نهائياً لسنواته مع رفاقه السورياليين.
ويمكن وضع هذه الرواية ضمن ما سمي ملاحظات تحضيرية لما بعد (حياة سرية لسلفادور دالي)، كما يصح أن نصف هذا الكتاب بالقول: إن هناك الكثير من التثبت بأمر لا يستحق ذلك. وهذا يشبه ما قاله أراغون عن دالي: بأن لديه الكثير من الوصولية لقليل من الوصول. وهذا شيء بشع، ذلك هو دالي.
التاريخ: الثلاثاء14-7-2020
رقم العدد :1005