الثورة أون لاين – فؤاد مسعد:
هواجس إبداعيّة تسكن الروح وشغف لا حدود له، أحلام تقهر الخيبات وتطوّع المستحيل بالأمل والعمل، هي عوالم تحاكي عوالم المبدع والفنان أيمن زيدان الذي يخوض اليوم تجربة سينمائيّة جديدة يقف فيها ممثلاً مجسّداً شخصية دافئة تحمل سماتها الإنسانية.
وفي حديثنا السريع معه رفض عبارة أنّه (عراب العديد من المبدعين) خاصة فترة تسعينيات القرن الماضي، مفضّلاً الاستعاضة عنها بعبارة أخرى (يمكن القول أنني كنت معنيّاً بتوفير شروط وظروف عمل مناسبة لمجموعة من الفنانين السوريين بحكم إدارتي لشركة إنتاج آنذاك). أما كيف يرى المشهد الفنّي وحال الإنتاج الدرامي السوري اليوم فيقول:
نتائج الحلم الدرامي السورية مخيّبة للآمال، ويعود ذلك لما قبل الحرب فعندها كان لدينا مشكلة مقدماتها واضحة منذ بداية عام 2000 لأنّه لم تتحوّل هذه الأحلام إلى صناعة ولم تقونن ولم يتم الدفاع عنها، وبقينا سنوات طويلة أسرى تغزّل غير مشروع، لم نكن شفافين وواضحين مع تقييم مشروعنا الدرامي الذي كان يضمحل، ووصل خلال سنوات الحرب الأخيرة إلى طريق مسدودة ومخيّبة للآمال، رغم ذلك يبقى هناك وجع داخلي وحنين لأيام كان حلمنا فيها أكبر، ففي التسعينيات انتزعت الدراما السورية مكاناً وحضوراً سرعان ما بدأت تفقده دون أن نحاول جميعاً الدفاع عنها، ولذلك هناك أسباب كثيرة، من ملامحها الرئيسة هيمنة الأمّية عبر اقتحام مجالات إبداعية ، ومن أسبابها بروبوغندا كاذبة لصناعة أسماء وألقاب وهمية، وأعتقد أنّ عودة الدراما السورية للنهوض من جديد هو مشروع سياسي فنّي كبير، يحتاج جملة من الباحثين والحوارات من أجل إيجاد أسس لإخراجها من عنق الزجاجة .
ورغم ما يحمله من ألم تجاه واقع فنّي سائد إلّا أنّه يفضل تحقيق حضور يبقى له طعمه الخاص على الشاشة الكبيرة عبر أعمال يراها الأقرب إلى روحه، فقد انتهى مؤخراً من تصوير دوره في الفيلم الروائي الطويل (رحلة يوسف) إخراج جود سعيد وإنتاج المؤسسة العامة للسينما، ويصفه بأنّه يحمل اصطفافاً إنسانيّاً يكاد يكون مدهشاً، حيث شكّل كلٌّ من اللجوء والنفي القسري السمة الأساسيّة التي انطلق منها الفيلم، ويؤكّد أن شخصية (الجد يوسف) التي يؤديها تحمل بعداً تراجيدياً عميقاً، عنها يقول: عندما خسر (الجد) أحلامه حمّل حلمه لحفيده، فتحوّل الحفيد إلى معنى لوجوده واستمراره، وبات حلم حفيده الذي هو حلم الجيل الآخر، هاجسه الأساس، فالجد بكلّ ما مرّ به من مرارة بقي وفيّاً في الدفاع عن حلم حفيده .
حول كيف نتلمّس ظلال الحرب عند (الجد) في الفيلم، يقول (أن تعكس ظلال أوجاع الناس أمر معقد، خاصة عندما تكون أوجاعهم مليئة بسنوات صعبة، وقد حاولنا خلال تفاصيل الفيلم أن يرى الناس جزءاً مما مرّوا به) ويشير زيدان إلى أنّ فكرتي الفيلم الأساسيتين وهما (النزوح والنفي القسري) تشكلان وجعاً قد يفوق حدود الاحتمال أحياناً، فمنذ اللحظات الأولى لكتابة السيناريو كانت الرغبة رسم لوحة سورية صادقة مسكونة بالوجع وببعض الأحلام المسروقة والإحساس أنّ الغد يحمل معه ما هو أفضل، يقول: هذه هي القضيّة الأساسية التي نحاول إلقاء الضوء عليها بعد هذه السنوات المريرة ونرى فيها هؤلاء الناس بكلّ أحلامهم وأوجاعهم وآمالهم وانتصاراتهم وهزائمهم وإصرارهم على الحياة .