الثورة أون لاين- عمار نعمة:
صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب كتاب (المختار من عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري) تأليف: د. محمد شفيق البيطار، يقع في 191 صفحة من القطع المتوسط.
يعتبر الكتاب واحداً من كتب الأدب العامة في المكتبة العربية، بل من الحق أن يُعدَّ من كتب الثقافة الإنسانية، لما احتواه من آثار العرب واليونان والهند والروم والفرس ومن علومهم جميعاً؛ وكان اللسان العربي المبين الوعاءَ الأنيقَ الذي حمل هذه الثقافة الإنسانية حين امتزجت في ظلال دوحة الحضارة العربية الإسلامية؛ ومؤلفه واحد من أعلام العلماء الثّقات في علوم عدة.
و(عيون الأخبار) عنوان دال على مضمونه, إذ جمع فيه ابن قتيبة من الأخبار عُيونها في عشرة موضوعات ووضع في الكتاب أشعاراً كثيرة، وإذا كان الغالب عليه الجد فإنه لم يخلُ من الهزل. وكان منطلق ابن قتيبة في كتابه هذا قول ابن عباس (خذوا الحكمة ممن سمعتموها منه، فإنه قد يقول الحكمة غير الحكيم، وتكون الرمية من غير الرامي) وهو منطلق المثقف والأديب الحق, وحري بأدباء اليوم ومثقفيه أن يكون هذا منطلقهم, وأن ينظروا إلى الكلمة لا إلى قائلها وإن كانوا يخالفونه في المُنتمى.
ولد ابن قتيبة في بغداد أو الكوفة, ونشأ في بغداد وتلقى العلم فيها على أعيان علمائها ومن لقيهم فيها وفي غيرها, قرأ ما وجده من كتب العرب وغيرهم من الأمم التي نُقلت كتبها إلى العربية ونقل عنها, وروى عنه عدد من العلماء ومنه ابنه أبو جعفر أحمد قاضي مصر, روى كُتُبَ أبيه كلها من حفظه وأقام ابن قتيبة في بغداد يُقرىء كُتُبه إلى أن مات فيها.
ويعد من أكثر العلماء الأدباء الثقات النبلاء تأليفاً في علوم كثيرة, مع حسن التصنيف والترتيب والاستنباط والاجتهاد والنقاش, وكُتُبه من أمات المصادر العربية والإسلامية التي لا غنى عنها للباحثين في العلوم العربية من رواية الشعر وشرحه وفهمه ونقده وتراجم الشعراء, ومن معرفة اللغة وغريبها وأساليبها ونحوها وصرفها وإملائها, والأخطاء التي يقع فيها الأدباء والكتاب، وبلاغة العربية، ومعرفة تاريخ العرب وغيرهم ومعتقداتهم وأحوالهم وتراجم العلماء، وبلغت كُتُبه نحو ثلاث مئة.
وكتب المؤلف في مقدمته: “عيون الأخبار ” نظمتها لمُغفل التأدب تَبصرة, ولأهل العلم تذكرة, ولسائس الناس ومسوسهم مؤدباً, وللملوك مستراحاً من كد الجد والتعب, وصنفتها أبواباً, وقرنت الباب بشكله, والخبر بمثله, والكلمة بأختها, ليسهل على المتعلم علمها.
وهي لقاح عقول العلماء ونتاج أفكار الحكماء وزبدة المخض, وحِلية الأدب, وأثمار طول النظر, والمتخير كلام البلغاء وفطن الشعراء وسير الملوك وآثار السلف.
عيون الأخبار من أهم مصادر كتب الأدب التي جاءت بعده فاستقت منه ونسجت على مِنواله، وقد جمع الحكمة والأخبار والأشعار والأمثال وبديع الأقوال في نواحي الحياة، ولذلك استحق أن يصفه ابن دُريد بأنه واحد من متنزّهات القلوب.