الثورة أون لاين _ سنان سوادي:
انتشرت في الآونة الأخيرة على الشاطئ السوري ظاهرة قناديل البحر بشكل ملفت وكثيف ، وانعكس ذلك سلباً على السياحة بشكل عام وعلى السياحة البحرية وهواة السباحة بشكل خاص ، وسبب حالة من القلق والخوف لمرتادي الشاطئ ، لذلك امتنع الكثيرون عن ارتياد البحر ، ما حرمهم من الاستمتاع بالسباحة والنزول في أحضان المياه هرباً من درجات الحرارة المرتفعة والتخفيف من حدتها .
يقول أحد رواد الشاطئ السباحة هي عادة يومية ورياضة أمارسها كل صيف ، ولكن امتنعت مؤخراً عن الذهاب خوفاً على نفسي وعلى أطفالي من لسعات القنديل ، علماً البحر هو المتنفس الوحيد لنا فهو أقل تكلفة ، والمنفذ للهروب من حر الصيف، فيما أشار أحد السائحين القادمين من حلب أنه كل عام يأتي مع أسرته إلى البحر ، لكن بسبب القناديل قرر التوجه إلى أحد المصايف الجبلية .
و بين صاحب مقهى شعبي على الشاطئ أن عدد الزوار هذه الفترة ضعيف جداً مقارنة مع الأعوام الماضية ، وذلك بسبب جائحة كورونا والغلاء ، ولكن السبب الرئيسي هو الخوف من وجود القناديل .
وعن هذه الظاهرة حدثنا عميد المعهد العالي للبحوث البحرية في جامعة تشرين الدكتور سامر غدير قائلا: تتعرض شواطئنا لهجمات من قنديل البحر الرحال “روباليما نوماديكا” ، الذي بظهر بأعداد كبيرة جداً ، ويسبب الكثير من المشاكل والأضرار الجسدية للمصطافين على طول الساحل السوري ، وهو من أكبر قناديل البحر المتوسط وأكثرها خطورةً وتأثيراً على الإنسان ، نظراً لما تحتويه خلاياه اللاسعة من سموم وأنزيمات التي تسهم في الاستقلاب الليبيدي للغشاء الخلوي، وتسبب تأثيرات جلدية وتنفسية تحدث بعد اللسع، ما أوجب وضعه ضمن قائمة أسوأ مائة نوع غاز في البحر المتوسط وأكثرها تأثيراُ .
يتميز هذا النوع بلون أبيض مائل للأزرق الثلجي، وله مظلة هلامية نصف كروية تقريباً ثخينة في المركز وتقل ثخانتها تدريجيا باتجاه الحواف. توجد له 8 أذرع فموية قوية وناعمة، تلتحم في المنتصف، وتحمل في نهايتها خيوطاً طويلة ورفيعة. يتراوح قطر المظلة بين 10 و 100 سم. يتراوح وزن الفرد البالغ بين 1 و 10 كغ، وقد يصل وزنه إلى 40 كغ ، و هو نوع مهاجر من المحيط الهندي، وجديد بالنسبة للبحر المتوسط ، و ربما هاجر من موطنه الأصلي في المحيط الهندي إلى البحر الأحمر ومنه إلى البحر المتوسط، مع مياه صابورة وهياكل السفن ، و له تأثير على الصيد البحري من خلال تمزيق الشباك، وافتراس العوالق الحيوانية التي تعد الغذاء الرئيس للأسماك، بالإضافة إلى كونه يتغذى على بيوض الأسماك ويرقاتها، ما يؤثر تأثيراً كبيراً في المخزون السمكي.
وأوضح د .غدير أن هذا النوع ظهر لأول مرة في البحر المتوسط مقابل الساحل الفلسطيني عام 1977 ، ومن ثم الساحل اللبناني عام 1988 ، وجرت الإشارة إليه في المياه الساحلية السورية عام 1995 ، تزامناً مع تسجيل وجوده لأول مرة في الساحل التركي، لينتشر بعدها في كامل الحوض الشرقي، و في جزء كبير من الحوض الغربي للبحر المتوسط ، و يجري تسجيل تجمعات كبيرة من أفراد هذا النوع بدرجة غير مألوفة سنوياً أواخر الشتاء وبداية الربيع منذ العام 2011 ليختفي اختفاءً كلياً حتى بداية شهري تموز وأب من كل عام، حيث يعود للظهور والانتشار بشكل واسع على شكل تجمعات كبيرة جداً على طول الساحل السوري، ثم يختفي ظهوره كلياً مع نهاية الصيف.
وأشار د.غدير إلى أن أسباب الظهور الكثيف والمتزايد لأعداد قناديل البحر في البحر المتوسط تعود إلى التغير المناخي نتيجة للنشاط البشري ، التلوث والإثراء الغذائي ، الصيد الجائر واستنزاف الثروة السمكية ، استغلال الشواطئ استغلالاً مكثفاً من قبل البشر، غياب الأحياء المفترسة وأهمها السلاحف البحرية التي تتعرض في البحر الأبيض المتوسط إلى خطر الانقراض، مما أدى إلى انخفاض أعدادها بشكل كبير، فهي تتغذى على قناديل البحر بشكل أساسي و قد أدى غيابها إلى حدوث عدم توازن لصالح القناديل وزيادة أعدادها.
و أضاف د .غدير تتمثل تأثير اللسعات بحروق جلدية واحمرار وألم شديد مع حكة في موضع اللسع، ونادراً ما تكون شاملة للجسم إلا في حالات التحسس، كما تتضمن الأعراض في الحالات الشديدة، حمى وإعياء وألماً عضلياً، وقد تحتاج إلى دخول المشفى، أما التأثير الأشد فهو على العين حيث يؤدي إلى حدوث وذمات والتهاب الملتحمة .
ونوه د .غدير أنه في حال التعرض للسعات ينصح بالقيام ببعض الإجراءات لتخفيف هذه الآثار وتشمل التالي: غمر الجزء المصاب بماء البحر، وليس بالماء العذب الذي يُنشط انطلاق الخيوط اللاسعة، ويستحسن أن تزال أجزاء القناديل الملتصقة بالملقط، أو بالحافة غير الحادة للسكين، وعدم لفها بالقماش أو دعكها بالرمال، لأن ذلك قد يؤدي إلى انطلاق المزيد من الخلايا اللاسعة، فيزداد التأثير اللاسع ومعاملة الجزء المصاب بمحلول مخفف من حمض الخل 5 % أو الخل المنزلي، لمنع انطلاق مزيد من الخيوط اللاسعة، وتجنب استعمال الكحول أو العطور، لأنها تزيد من التأثير اللاسع، واستعمال الماء البارد أو الثلج، لتخفيف ألم الحروق، ودهن الجزء المصاب بالمراهم المسكنة لآلام الحروق، أو استعمال مراهم مضادات تحسس موضعية وفي حالة إصابة العين، معالجتها بقطرات مسكنة مثل “أوبتلار”، وقطرة كورتيزون مع مضاد حيوي مثل”سبيرساموند”، ويجب مراجعة طبيب العينية كما يجب عند حدوث صدمات قلبية محاولة تحريك الأرجل باستمرار، والمحافظة على درجة حرارة الجسم بتحريكه تحريكاً مستمراً، ويجب استعمال طرق التنفس الاصطناعي في حالة حدوث أزمات تنفسية واغماء،
ونقل المصاب فوراً إلى المستشفى لإجراء الإسعافات وإعطاء العلاج اللازم.
كما يجب أخذ الحيطة والحذر عند السباحة في مناطق ظهور قناديل البحر، أو عند رؤية أي نوع منها، و عدم الاقتراب منها حتى وإن كانت ميته وملقاة على الشاطئ، لأنها مازالت قادرة على اللسع.
وختم عميد المعهد العالي للبحوث البحرية الدكتور سامر غدير حديثه بالقول نأمل من الأخوة رواد الساحل، والعاملين في مهنة الصيد البحري، الإبلاغ عن أي مشاهدات لقناديل البحر وتصويرها إن أمكن والتواصل معنا ، ويمكن لنا عندها جمع المعلومات البيئية اللازمة بما يخدم حماية الحياة البحرية، وحمايتكم وذلك عبر إصدار نشرات توضيحية ، وقد قمنا مؤخراً بإصدار منشور يشرح ويوضح سبب الظاهرة ويتضمن معلومات عن كيفية التعامل في حال حدوث إصابة