النخبة المثقفة ودورها في إعادة بناء المجتمع السوري

 

الملحق الثقافي:نبيهة إبراهيم:

إن الحضور القوي والفاعل للنخب على الساحة الشعبية وفي الدولة، يعد أحد أهم مقومات نجاح عملية إعادة بناء المجتمع السوري والنهوض به، إذ تتولى هذه النخب مسؤولية معالجة الخلل الذي أصاب المجتمع جراء الحرب، وتقوم بالحفاظ على القيم الاجتماعية والوطنية وتجذيرها، وإثارة مقومات الهوية المشتركة وصيانتها، فهذه المفاهيم لا تتجذر عند جميع الناس، ولابد من إقناع الآخرين بها، وتوصيلها إلى أعلى المستويات من قيادات العملية السياسية إلى أبسط إنسان.
كما وتشكل النخب مرجعية ثقافية في توجيه المواطن ورسم الطريق له، وهي صمام الأمان لئلا يمس في حاجاته اليومية، الأمر الذي يساهم فى تعميق الاستقرار السياسي وينعكس نجاحاً وتطوراً على البناء العمراني.
قبل أن نبين مفهوم النخبة المثقفة، لا بد من تثبيت النقطتين التاليتين:

النقطة الأولى: ما من شك أن سورية قبل ٢٠١١ ليست كما هي الآن، والأمر الذي لا مراء فيه، هو أن سورية كانت دوماً في عقل وذهن المخطط الأمريكي لكونها قدمت أنموذجاَ مختلفاً في المنطقة، عن الدولة الوطنية صاحبة القرار السيادي المستقل، كما وبنت تحالفات إقليمية وعربية مكنتها من استثمار سياستها الخارجية لصالح مبادئها الوطنية القومية. فشكلت موقع القلب بالنسبة إلى العرب بالتزامها الدائم بالقضية الفلسطينية، كما شكلت خط الدفاع الأول في محور مقاومة مشروع الهيمنة الأمريكية على المنطقة.
لكل هذه الأسباب بحثت قوى العدوان في أمريكا والغرب الاستعماري عن قطبة رخوة في النسيج السوري، وأحدثت فيها خرقاَ، وعملت بكل الوسائل والأساليب، وبذلت الأموال الطائلة لتوسيع هذا الخرق، الأمر الذي أنتج تهشم في النسيج الاجتماعي، وأصاب الجسد الثقافي الاجتماعي للدولة بالندبات – على الرغم من بقاء الجسد السياسي – حيث خرجت أصوات تنادي بالانفصال عن الدولة، وتعالت أصوات أخرى ضد انتماء سورية لهويتها العربية. حتى أن الوعاء الجغرافي للدولة لم يسلم من تلك الحرب الخبيثة، إذ لا يزال يوجد الاحتلال الأمريكي والاحتلال التركي في جزء من الجزيرة السورية ومحافظة إدلب.

النقطة الثانية: أن مبادىء الدولة السورية لن تتغير، وهي وحدة وسيادة الأراضي السورية، وهوية سورية الوطنية في جوهرها العروبة بمعناها الحضاري الجامع لكل أبناء الوطن ولكل أطياف المجتمع، و»إسرائيل» هي العدو، والتزامنا ثابت بالقضية الفلسطينية، وبمحور مقاومة مشروع الهيمنة الاستعمارية على المنطقة.
هذه المبادئ حددها الرئيس بشار الأسد غير مرة خلال سنوات الحرب الكبيرة الجائعة والتي تجاوزت تسع سنوات ونيف وأثقلت كاهل الشعب السوري وأنهكته، لكنها لن تثني من عزيمته وصموده.

في كلمته أمام مؤتمر وزارة الخارجية والمغتربين المنعقد بتاريخ 20/8/2017 ختم السيد الرئيس بشار الأسد قائلاً: «الحرب لن تغير شيئاً من مبادئنا»، محدداً هذه المبادئ بالتالي:
أولاً: وحدة الأراضي السورية هي من البديهيات غير القابلة للنقاش على الإطلاق»… «كل ما يرتبط بمصير ومستقبل سورية هو موضوع سوري مئة بالمئة».
ثانياً: هوية سورية، الهوية الوطنية موجودة،…. جوهر هذه الهوية السورية هو العروبة بمعناها الحضاري الجامع لكل أبناء الوطن ولكل أطياف المجتمع.
– «مازالت قضية فلسطين جوهرية بالنسبة لنا، ما زالت «إسرائيل» عدواً يحتل أراضينا، ومازلنا داعمين لكل مقاومة في المنطقة طالما أن هذه المقاومة حقيقية وليست مزيفة كما هو حال بعض المقاومات». وهنا نستطيع القول وبناءً على ما تخبرنا الحقائق التاريخية بأن أية قوة على وجه الأرض مهما بلغت لا يمكنها أن تسلب الأرض دون موافقة أصحابها وموافقة الزعيم أو القائد المسؤول عن حماية هذه الأرض والمحافظة عليها.

مفهوم النخبة
والآن ما هو مفهوم النخبة: فيما مضى أُطلقت تسمية النخبة على الوجهاء، والدعاة تارة، والصفوة تارة أخرى، كما وأكد أفلاطون على أهمية أن تقود المجتمع ثلة من النابهين وهؤلاء يجب أن تتكفل الدولة بتأمين تنشئة دقيقة لهم. والفكر الماركسي فضّل اصطلاح الطليعة على النخبة، والمثقف العضوي عند غرامشي.. والنخبة هي صفوة القوم في الإبداع، في الأخلاق والتربية والاقتصاد والفن والأدب وفي مختلف المجالات والحقول، وعليه توجد نخبة سياسية وثقافية واقتصادية ودينية، وهذه النخبة هي صمام الأمان بالنسبة إلى الدولة والمواطن، التي يتوجب عليها البحث عن طريق جديدة للمساهمة في حياته.

هناك ثلاثة محددات إذا توفرت تكون النخبة في المستوى المأمول منها، وإذا غابت ابتعدت عن دورها ومسؤوليتها
-الغيرية الوطنية.
-الوعي الاجتماعي الذي يمكن الفرد من رؤية المجتمع رؤية شاملة وتحليل قضاياه.
– الدور الذي يمكن أن يؤديه الفرد في تغيير المجتمع نحو الأفضل، وأن يكون دوره مستمراً في استنهاض الهمم واستشراف المستقبل، مضافاً إليه مقدار امتلاكه للعلم والمعرفة سواء في اختصاصه أو في الشأن العام.
دور النخب في وقت السلم، يختلف عن دورها في حالة الحرب، ففي الحروب تتكاثر الأزمات وعلى وجه الدقة الأزمات الاقتصادية، وما تفرزه من أزمات أخلاقية سلوكية، والخطورة إذا تلاقت هذه الأزمات مع انتشار الفقر فيحيد الإنسان عن المألوف، وتتراجع القيم الاجتماعية التي هي عماد توازن المجتمع واستقراره، ويتراجع الوعي الفردي والجماعي والشعبي، ويدخل المجتمع في حالة من الشرود الفكري، وتعم الفوضى في الأذواق العامة، ويصبح من الصعوبة بمكان الخروج من الأزمة. وهنا تبرز حقيقة مسؤولية المثقفين ودورهم في توضيح الرؤى لدى عامة الناس ورسم الطريق الصحيح لهم، وإظهار الأمور وكأنها أمور ظرفية عابرة تزول بقدرتهم على بناء تصور أفضل للمستقبل.
– تنمية وإشاعة ثقافة سياسية قائمة على التسامح والحوار والتجانس والعيش المشترك لتجسير الهوة بين المواطنين وتعميق الوعي السياسي لدى أبناء المجتمع، وهو أحد عوامل الاستقرار الاجتماعي. كما وتدافع النخب المثقفة عن توجهات الدولة وسياساتها وتصوراتها حتى لا يقع المواطن في صراع مع هذه التوجهات.
قد تكون أحد مشكلاتنا في الشرق هي أن النخب تأتي غريبة عن المجتمع، ولا تعبر عن الجماهير، والغرب دوماً يبذل جهوداً كبيرة وبأساليب ملتوية لتأهيل نخب لها حضورها القوي على الساحة الاجتماعية لتحقيق غاياته. وعليه نرى مثقفين عرب يكتبون بلغة المستعمر ويتصرفون بعقليته وتكون مهمتهم تشويش المواطن إن لم يكن السيطرة عليه.
-عدم التجانس والتوافق بين ثقافة النخب والجماهير يشكل مصدر تهديد للنظام السياسي الاجتماعي. لهذا السبب يجب أن يدعم المثقفون قرارات الدولة ورؤيتها وسياساتها حتى لا يقع المواطن في صراع معها.
وخلاصة القول إن المثقف يجب أن يكون صمام الأمان والدرع الواقي لفكر وقيم المواطن في ثقافته وأخلاقه وسلوكه.

التاريخ: الثلاثاء28-7-2020

رقم العدد :1007

 

 

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم