الثورة أون لاين:
ما من شاعر عربي مؤمن بقضية الانسان، إلا ويرى دمشق الملاذ والمخلّص، والأمل الذي علينا أن نبقى نتمسك به، من غسان كنفاني، إلى معين بسيسو، وكلّ الشعراء العرب، محمود درويش واحد من هؤلاء الذين يرون دمشق ملاذاً للأمن والسلام، وحلماً للنصر القادم، في دمشق أنشد درويش أروع الملاحم، وفي ذكرى رحيله، لا يمكن إلّا أن نقف عند محطّات في حياته، وبعض ما قاله في دمشق.
محطّات في حياته
وُلِدَ عام 1941 بقرية البروة ثم انتقل مع عائلته إلى لبنان بعد نكبة 1948 وعاد إلى فلسطين بعدها بسنتين متخفيّاً ليجد أن قريته قد دُمِرت، فعاش في قرية الجديدة ثم انتقل في شبابه إلى موسكو للدراسة، وذهب ليعيش في القاهرة ومنها إلى بيروت ثم تونس وباريس، قبل أن يعود ليعيش أواخر حياته في مدينة عمان الأردنية ورام الله الفلسطينية.
أتمّ محمود درويش تعليمه الابتدائي في قرية دير الأسد بالجليل قبل أن يفرّ مع أسرته ضمن عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذي هربوا من البلاد – أو طُرِدوا منها جراء القذف بالقنابل – عام 1947 إلى جنوب لبنان، لكنه عاد بعد ذلك بعامين مع أسرته إلى البلاد متسللًا عن طريق دليل فلسطيني يعرف الطرق السرية للجليل ليجد أن قريته قد دُمِرت تماماً.
اعتقلته قوات الاحتلال الصهيوني مراتٍ عديدة بتهمة القيام بنشاطٍ معادٍ لدولة “إسرائيل” لآرائه السياسية وتصريحاته المعادية؛ فاعتقلوه خمس مرات أولها عام 1961 ثم 65 و66 و67 و69، كما فُرضت عليه الإقامة الجبرية حتى عام 1970.
خرج بعدها عام 1970 متوجهاً إلى موسكو – عاصمة الاتحاد السوفيتي وقتها – للدراسة وكانت هذه أول غربةٍ له بعيداً عن الوطن، كان طالباً في معهد العلوم الاجتماعية يسكن في غرفة في مبنى جامعي؛ أقام في موسكو سنة واحدة وتعلّم القليل من الروسية كي يستطيع الاندماج في البيئة هناك لكنّه اصطدم بمشكلات الروس يومياً حتى فقد ثقته بالشيوعية، وسقطت موسكو في نظره من مدينة “الفردوس” – كما صوّرها الإعلام – ليراها على حقيقتها مدينة عادية يعاني أهلها من الحرمان والفقر ويعيشون في خوف!
المحطة الثانية: القاهرة (1972-1971): لم يتحمّل محمود درويش الحياة في موسكو فقرّر الذهاب للقاهرة وهناك اتخذ قراراً صعباً بعدم العودة لفلسطين، أحب العيش في القاهرة رغم بعده عن الوطن فهي على الأقل مدينة عربية بأسماء شوارع عربية وأناسٍ يتحدثون بالعربية، كما وجد نفسه بين الأدب المصري الخالص.
وعن هذا يقول: “وجدت نفسي أسكن النصوص الأدبية التي كنت أقرؤها وأعجب بها، فأنا أحد أبناء الثقافة المصرية تقريباً والأدب المصري، التقيت بهؤلاء الكتّاب الذين كنت من قرّائهم وكنت أعدّهم من آبائي الروحيين، التقيت محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ وسواهما، والتقيت كبار الكتّاب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم، ولم ألتق بأم كلثوم وطه حسين، وكنت أحب اللقاء بهما”.
عيّنه محمد حسنين هيكل في نادي كُتّاب الأهرام مع نجيب محفوظ ويوسف إدريس وعائشة عبد الرحمن في مكتب واحد، وبجانب توفيق الحكيم في مكتبٍ منفرد، فنشأت بينه وبينهم صداقة قوية، كانت القاهرة من أهم محطات حياته في تجربته الشعرية حيث صادق الشعراء الذين كان يحبّهم وتربّى على شعرهم أمثال صلاح عبد الصبور وأحمد حجازي وأمل دنقل والأبنودي.
شعره وأعماله:
بدأ محمود درويش الشعر في سنّ صغيرة فكانت أول قصائده وهو في المرحلة الابتدائية، وفي تلك الفترة في الوطن اتسم شعره بالتكوّن وبداية وعيه بقضيّة وطنه وانتمائه له تحت قبضة الاحتلال، واتسم عندها بالماركسية ومال للتيار الرومانسي في الشعر العربي المعاصر مقتدياً بشعراء أمثال نزار قباني، وكان نصّه الشعري مباشراً، حتى خرج ليعيش في القاهرة ومن ثم بيروت فبدأ شعره في أخذ طابع الثورية والاهتمام بالقومية العربية، ورويداً رويداً تطوّر أسلوبه فأخذ يستخدم دلالات شعرية أكثر واستخدم التاريخ والدين والأسطورة والأدب والحضارة أكثر من قبل بكثير.
كانت وفاته في 8آب عام 2008م
قصيدة دمشق
في دِمَشْقَ ،
تطيرُ الحماماتُ
خَلْفَ سِياجِ الحريرِ
اُثْنَتَيْنِ….
اُثْنَتَيْنِ….
في دِمَشْقَ ،
أَرى لُغَتي كُلَّها
على حبَّة القَمْحِ مكتوبةً
بإبرة أُنثى ،
يُنَقِّحُها حَجَلُ الرافِدَيْن
في دِمَشْقَ ،
تُطَرَّزُ أَسماءُ خَيْلِ العَرَبْ ،
مِنَ الجاهليَّةِ
حتى القيامةِ ،
أَو بَعْدها ،
….بخُيُوطِ الذَهَبْ
في دِمَشْقَ:
تسيرُ السماءُ
على الطُرُقات القديمةِ
حافيةً ، حافيةْ
فما حاجةُ الشُعَراءِ
إلى الوَحْيِ
والوَزْنِ
والقافِيَةْ ؟
في دِمَشْقَ ،
ينامُ الغريبُ
على ظلّه واقفاً
مثل مِئْذَنَةٍ في سرير الأَبد
لا يَحنُّ إلى بَلدٍ
أَو أَحَدْ…
في دِمَشْقَ ،
يُواصل فِعْلُ المُضَارِع
أَشغالَهُ الأُمويَّةَ:
نمشي إلى غَدِنا واثِقِينَ
من الشمس في أَمسنا.
نحن والأَبديَّةُ ،
سُكَّانُ هذا البَلَدْ!
Bashar Mouhamad, [٠٨.٠٨.٢٠ ٠٩:٤٣]
[Forwarded from Majd Mhemed]
في دِمَشْقَ ،
تَدُورُ الحوارات
بين الكَمَنْجَةِ والعُود
حَوْلَ سؤال الوجودِ
وحول النهاياتِ :
مَنْ قَتَلَتْ عاشقاً مارقاً
فَلَهَا سِدْرَةُ المنتهى !
في دِمَشْقَ ،
يُقَطِّعُ يوسُفُ ،
بالنايَ ،
أَضْلُعَهُ
لا لشيءٍ ،
سوى أَنَّهُ
لم يَجِدْ قلبَهُ مَعَهُ
في دِمَشْقَ ،
يَعُودُ الكلامُ إلى أَصلِهِ ،
اُلماءِ:
لا الشِعْرُ شِعْرٌ
ولا النَثْرُ نَثْرٌ
وأَنتِ تقولين : لن أَدَعَكْ
فخُذْني إليك
وخُذْني مَعَكْ !
في دِمَشْقَ ،
ينامُ غزالٌ
إلى جانب اُمرأةٍ
في سرير الندى
فتخلَعُ فُسْتَانَها
وتُغَطِّي بِهِ بَرَدَى !
في دِمَشْقَ ،
تُنَقِّرُ عُصْفْورَةٌ
ما تركتُ من القمحِ
فوق يدي
وتتركُ لي حَبَّةً
لتُريني غداً
غَدِي!
في دِمَشْقَ ،
تدَاعِبُني الياسمينةُ :
لا تَبْتَعِدْ
واُمشِ في أَثَري
فَتَغارُ الحديقةُ:
لا تقتربْ
من دَمِ الليل في قَمَري
في دِمَشْقَ ،
أُسامِرُ حُلْمي الخفيفَ
على زَهْرة اللوزِ يضحَكُ :
كُنْ واقعياً
لأُزهرَ ثانيةً
حول ماءِ اُسمها
وكُنْ واقعيّاً
لأعبر في حُلْمها !
في دِمَشْقَ ،
أُعرِّفُ نفسي
على نفسها :
هنا ، تحت عَيْنَيْن لوزيِّتَيْن
نطيرُ معاً تَوْءمَيْن
ونرجئ ماضِينَا المشتركْ
في دِمَشْقَ ،
يرقُّ الكلامُ
فأسمع صَوْتَ دمٍ
في عُرُوق الرخام :
اُخْتَطِفْني مِنَ اُبني
تقولُ السجينةُ لي
أَو تحجَّرْ معي !
في دِمَشْقَ :
أَعدُّ ضُلُوعي
وأُرْجِعُ قلبي إلى خَبَبِهْ
لعلِّ التي أَدْخَلَتْني
إلى ظِلِّها
قَتَلَتْني،
ولم أَنْتَبِهْ…
في دِمَشْقَ ،
تُعيدُ الغريبةُ هَوْدَجَها
إلى القافِلَةْ :
لن أَعودَ إلى خيمتي
لن أُعلِّقَ جيتارتي ،
بَعْدَ هذا المساءِ ،
على تينة العائلةْ…
في دِمَشْقَ ،
تَشِفُّ القصائدُ
لا هِيَ حِسِّيَّةٌ
ولا هِيَ ذهْنيَّةٌ
إنَّها ما يقولُ الصدى
للصدى…
في دِمَشْقَ ،
تجفُّ السحابةُ عصراً ،
فتحفُرُ بئراً
لصيف المحبِّينَ في سَفْح قاسْيُون ،
والنايُ يُكْملُ عاداته
في الحنين إلى ما هُوَ الآن فيه ،
ويبكي سدى
في دِمَشْقَ ،
أُدوِّنُ في دفْتَرِ اُمرأةٍ :
كُلُّ ما فيكِ
من نَرْجسٍ
يَشْتَهيكِ
ولا سُورَ حَوْلَكِ، يحميكِ
مِنْ ليل فِتْنَتِكِ الزائدةْ
في دِمَشْقَ ،
أَرى كيف ينقُصُ ليلُ دِمَشْقَ
رويداً رويداً
وكيف تزيدُ إلهاتُنا
واحدةْ!
في دِمَشْقَ ،
يغني المسافر في سرِّه :
لا أَعودُ من الشام
حياً
ولا ميتاً
بل سحاباً
يخفِّفُ عبءَ الفراشة
عن روحِيَ الشاردةْ