الثورة أون لاين – ترجمة سراب الأسمر:
من الملاحظ أن السمة الأساسية لجغرافية السياسة العالمية خلال السنوات الثلاث الأخيرة هو أنها تحمل صراعاً حقيقياً بين أكبر قوتين على الأرض، جمهورية الصين الشعبية، والولايات المتحدة الأميركية، وبات يبدو بشكل متزايد أن بعض الشبكات العالمية تخطط لإحياء حرب جديدة على غرار حرب عام ١٩٣٩-١٩٤٥، لكن هذه المرة تسعى الرهانات لإيجاد نظام عالمي شمولي، وهذا ما أطلق عليه ذات مرة ديفيد روكفلر تسمية “حكومة عالمية واحدة”، فالقوى العالمية الكبرى تستخدم الحرب بشكل متكرر لإحداث تغييرات سياسية كبيرة.
فتحت تسمية القوات الحاضرة Power That Be PTB))، حرّكت دائرة نفوذ مدينة لندن و وول ستريت للحرب العالمية الثانية بين الدولتين الخصمين روسيا وألمانيا بهدف شنّ حرب دامية تُمكّن الـ” PTB ” الأنغلوساكسونية من إعادة رسم مخطط الجغرافية السياسية للعالم وفق مصالحها. لكن بعد عام ١٩٤٥ قررت وول ستريت والإخوة روكفلر أن تلعب بريطانيا دور الشريك الأول لأميركا، وهما اللتان أصبحتا رموز الهيمنة العالمية، ليدخل العالم بعدها في فترة “الحرب الباردة”. لكن الشركة الأنجلو أميركية انتهت مع سقوط جدار برلين عام ١٩٨٩ وتفكك الاتحاد السوفييتي عام ١٩٩١.
مع بداية حكم بيل كلينتون عام ١٩٩٢ شهدنا المرحلة التالية وهي العولمة المالية والصناعية، وبنفس الوقت بدأ انهيار القاعدة الصناعية في أميركا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي على حد سواء. كما أدى نقل العمالة الرخيصة إلى الخارج – من جانب منظمة التجارة العالمية الجديدة- إلى انخفاض الأجور وتدمير الصناعات على نطاق واسع في الغرب بعد سنة ١٩٩٠.
وكانت هذه الخطوة ضرورية للتوجه نحو ما أطلق عليه جورج بوش الأب عام ١٩٩٠ تسمية “النظام العالمي الجديد”، واقتضت المرحلة التالية تدمير السيادات الوطنية في كل مكان.
بالنسبة للـ “PTB” التي لا انتماء لها سوى سلطتها التي تجاوزت كل الحدود، كان نشوء منظمة التجارة العالمية بانضمام الصين إليها عام ٢٠٠١ هو المفتاح للمرحلة القادمة، ففي ذلك الوقت سهلت الـ ” PTB” لأكبر نمو صناعي للصين عبر التاريخ، ومع انضمام الصين إلى هذه المنظمة أتيح للشركات الغربية (متعددة الجنسيات مثل Apple, Nike, KFC, Ford)) ضخ مليارات الدولارات في الصين لتصنيع منتجاتها لأن الأجور رخيصة ، ما يتيح لها استيراد المنتجات المصنعة مجدداً إلى الغرب بسعر رخيص.
أحد أهم الأسرار لهذا النمو الاقتصادي في الصين هو سماحها بأن تصبح “ورشة العالم” بعد عام ٢٠٠١ سواء في الصناعات التي تتطلب مهارات منخفضة (المنسوجات والألعاب) أو في الأدوية، ومؤخراً في تجميع وإنتاج المنتجات الإلكترونية. والحقيقة أن الـ “PTB ” تستخدم الصين لإضعاف القوى الصناعية الكبرى ومن ثم تتحول إلى خصم للولايات المتحدة على الصعيد الاقتصادي والتكنولوجي ، وهذا ما يساعد على إنهاء الهيمنة الأميركية.
الاشتراكية بمعايير شي جين بينغ.
منذ استلام شي جين بينغ للرئاسة في الصين عام ٢٠١٢ بدت الصين راغبة في أن تكون “لاعبا في فريق” عالمي لكن “بمميزات صينية”. مع ذلك عام ٢٠١٥ أثبت الرئيس جين بينغ استراتيجية صناعية وطنية عالمية: “صنع في الصين ٢٠٢٥” حلت محل وثيقة غربية سابقة كانت قد صاغتها مع الولايات المتحدة والبنك الدولي، ما يثبت سعيها لاحتلال مكانتها التكنولوجية في العالم، فالحزب الشيوعي الصيني في عهد جين بينغ كان عازماً على جعل الصين الزعيم العالمي في صناعة التكنولوجيا الفائقة والذكاء الصناعي، والتكنولوجيا الحيوية.
من المحتمل أن تكون “صنع في الصين” تسعى لترويج مبادرة طريق الحزام بهدف بناء بنية تحتية عالمية تربط الصين براً وبحراً بأوراسيا وما وراءها، والحل الوحيد أمام العولمة لتجنب فقدان هيمنتها العالمية هو الحرب، أي حرب تدمر الصين وأميركا.
-فتات للفُتات:
إذا كان هذا هو الحال، فهذه الحرب ستكون مختلفة تماماً عن الحرب العالمية الثانية، الولايات المتحدة وأغلب اقتصادات الغرب تسببت بأسوأ ركود اقتصادي منذ ثلاثينيات القرن الماضي بزعمها انتشار فيروس كورونا في ووهان وانتقاله إلى كل أنحاء العالم، مع أن عدد الوفيات يعادل عدد وفيات أي انفلونزا موسمية، إلا أن ما جرى من إجراءات بدعوى حماية البشرية شل البنى التحتية في دول العالم بفرضها إغلاق قاس ما أدى إلى اضطرابات اقتصادية عالمياً.
وأدى اندلاع أعمال الشغب والتخريب في أنحاء الولايات المتحدة لتحويل مدنها إلى مناطق حرب.
وبعد إغلاق واشنطن للقنصلية الصينية في هيوستن والقنصلية الأميركية في تشنغدو، بدأ التصعيد بين الجانبين، فاتهمت واشنطن منظمة الصحة العالمية بأنها عميل لبكين، أما الصين فاتهمت أميركا بتعمد انتشار فيروس قاتل ونقله إلى ووهان.
– حرب دون قيود:
في ظل هذه الظروف، ما هو شكل التصعيد المحتمل؟ عام ١٩٩٩، نشر عقيدان من جيش التحرير الشعبي الصيني تشياو ليانغ و وانغ شانغ
في مطبعة جيش التحرير الشعبي كتاباً بعنوان “الحرب غير المقيدة”، وعلى أثر ذلك تم ترقية تشياو ليانغ إلى رتبة لواء وأصبح نائب الأمين العام لمجلس الدراسات الأمنية. هذا الأمر يؤكد على نمط الاستراتيجية العسكرية الصينية.
وانتقد الكاتبان الصينيان العقيدة السياسة الأميركية على أثر العملية العسكرية “عاصفة الصحراء” عام ١٩٩١ التي شنتها القوات الأميركية على العراق، وأكدا على أن السياسة الأميركية تعتمد على القوة العسكرية العنيفة وتشكل نموذجاً يهدد الأمن السياسي والاقتصادي والعسكري لدولة أو لأكثر.
يؤكد الكاتبان أنه من بين الأساليب المقترحة لمواجهة الهيمنة الأميركية يمكن للصين أن تعتمد على قرصنة مواقع الويب، استهداف مؤسسات المال، استخدام وسائل الإعلام وشنّ حرب المدن، ويمكن أن يطلق على حرب كهذه حرباً غير متكافئة أو حرب غير مقيدة حيث لا يحظر أي شيء يزعج العدو، وحسب تشياو فإن القاعدة الأولى لمثل هذه الحرب هي أنه لا يوجد قواعد ولا شيء ممنوع.
يضيف الكاتبان أن هذه الحرب السرية يمكن أن تشمل هجومات على الأمن السياسي، الاقتصادي، الثقافي، والأمن المعلوماتي للدولة. وتبعية الاقتصاد الأميركية لمصادر التزويد الصيني، المواد الأولية، سواء كان لحاجات المضادات الحيوية أو المعادن النادرة الحيوية للجيش ما هي إلا مجالاً واحداً من مجالات هشاشة الاقتصاد الأميركي.
أما الصين من جانبها فيكمن موطن ضعفها في العقوبات التجارية، الاضطرابات المالية والهجمات الإرهابية البيولوجية وحظر النفط عنها، مثلاً قال البعض أن غزو الجراد الصحراوي الأخير وطاعون الخنازير الإفريقي على الإمدادات الغذائية الأساسية في الصين ليس من عمل الطبيعة، بهذا ربما تخوض الصين حرباً غير معلنة وغير مقيدة مع الولايات المتحدة.
قد تكون الحرب الشاملة وغير المحدودة بين الصين والولايات المتحدة أكثر من مأساوية، وقد تكون نهاية للحضارة التي نعرفها. ولكن هل من الممكن أيضاً أن يكون خلفها شخصيات مثل بيل غيتس أو الأعلى منه؟ هل يحاولون إعادة “إعادة الضبط” (العودة إلى الصفر) على أنقاض صراع كهذا؟
بقلم: ويليام انغدال
عن: موندياليزاسيون