الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
تقدّم الحكومة الأمريكية تبريراً رسمياً حول سبب بقاء قواتها في سورية زاعمة أن بقاءها هو لمكافحة الإرهاب!! إلّا أنّنا نعرف طبعاً أن السبب الحقيقي هو فقط للحفاظ على وجودها العسكري غير القانوني في البلاد.
يتحدث الرئيس ترامب أحياناً عن تبرير آخر لبقاء القوات في سورية وهو “الحفاظ على النفط” هناك، لكنّ الجواب الحقيقي هو أنه لا يوجد أحد في واشنطن ممن يملكون السلطة والنفوذ يرغب في إعادة هذه القوات إلى قواعدها في أمريكا. إضافة إلى أنّ الأيديولوجية التي تتميز بها الكثير من مناقشات السياسة الخارجية للحكومة الأمريكية تختلق دائماً مبررات خاطئة للسياسيين في كلا الحزبين “الجمهوري والديمقراطي” للدفاع عن مهمة غير قانونية وغير مصرّح بها ولا علاقة لها أبداً بالأمن القومي الأمريكي.
إنّ القوات الأمريكية موجودة في سورية دون إذن من الحكومة السورية. كما أن المهمة ذات الأهداف غير المشروعة في سورية تعرّض هذه القوات لمخاطر جسيمة، ولكن فيما يتعلق بمعظم مؤسسات السياسة الخارجية والمسؤولين المنتخبين، فهي مجرد التزام لا يقبل الجدل ولا يمكن إنهاؤه. وهو مثال على الخلل الوظيفي في السياسة الخارجية للولايات المتحدة: “مهمة عسكرية لانهاية لها ومن دون أهداف محددة “.
وعلى الرغم من إعلان ترامب، وفي مناسبتين مختلفتين بأن الولايات المتحدة ستنسحب من سورية، لكنه لم يفعل أبداً. فقد تمّ فقط نقل بعض القوات إلى أجزاء أخرى من سورية، كما تم نقل البعض الآخر إلى أجزاء مختلفة في المنطقة، لكنّ الانسحاب الكامل لم يحدث أبداً، و يتفاخر ترامب بقوله “إن قواتنا ستعود إلى الوطن”. كما يبدي معظم أعضاء الكونغرس الأمريكي اهتماماً بمهمة قواتهم في سورية فقط عندما يكون هناك احتمال لانسحاب الولايات المتحدة وعندها يفعلون كل ما في وسعهم لتأخير أو منع عملية الانسحاب هذه.
لسوء الحظ، لم يكن “جو بايدن”، خصم ترامب في الانتخابات الأمريكية أفضل في هذه المسألة. فقد أوضح أنطوني بلينكين، كبير مستشاري السياسة الخارجية لبايدن، أنّ الوجود العسكري الأمريكي سيستمر في سورية في ظل إدارة بايدن إلى أجل غير مسمى، لخلق “نفوذ” مع الحكومة السورية. وكان موقف بايدن وحزبه الديمقراطي بشأن انسحاب ترامب المحتمل من سورية هو الإدانة بدلاً من توجيه الانتقادات لترامب بسبب فشله في إخراج القوات الأمريكية من سورية.
لقد كان العديد من الديمقراطيين في الكونغرس على استعداد لتحدي الرئيس عندما يتعلق الأمر بالحرب الوحشية على اليمن، ولكن معظمهم اتخّذ موقفاً معاكساً عندما تعلًق الموضوع بسورية ، فقاموا بإلقاء العراقيل أمام الانسحاب الأمريكي من بلد كان وجودهم فيه خطأ جسيماً منذ البداية.
ففي الوقت الذي تستمر فيه القوات الأمريكية في مواجهة الجيش السوري وحلفائه، علينا أن نتذكر جيداً أن إدارة ترامب تشن أيضاً نوعاً مختلفاً من الحروب غير الإنسانية على الشعب السوري تتمثّل بفرض عقوبات اقتصادية قاسية. وقد أدى ذلك بالفعل إلى التأثير المقصود في خنق الاقتصاد السوري وإعاقة جهود إعادة الإعمار.
وعلق أندرو باسيفيتش مؤخراً على سياسة الحكومة الأمريكية الحمقاء في سورية قائلاً: “بدلاً من سياسة واقعية محددة بمصالح واضحة، تنجرف الولايات المتحدة نحو مواجهة مع روسيا في مكان لا يعتقد أي أمريكي أن هناك ما يستحق الموت من أجله”. وبدلاً من نشر القوات في مكان ما لتحقيق نهاية محددة لتعزيز المصالح الأمريكية، يأتي صانعو السياسة لدينا لرؤية عمليات الانتشار في الدول الأخرى على أنها من أجل تحقيق أهداف حيوية، ولا يهم ما إذا كانت قانونية أم لا. فعادةً وبمجرد أن ترسل الولايات المتحدة قواتها إلى مكان ما يتطلب الأمر جهداً استثنائياً لإخراجها منه لاحقاً، وهذا ليس له تأثير على القرارات اللاحقة لنشرها في بلدان جديدة.
إضافة إلى اللامبالاة، فإن الالتزامات الجديدة التي لم يكن على الولايات المتحدة أن تقدمها يتم إعادة تصويرها في واشنطن على أنها ذات أهمية حيوية. وأصبحت الدول التي لم تطأها القوات الأمريكية إلا قبل بضع سنوات فجأة بمثابة “جوائز” حاسمة يجب ألا “تخسرها” الولايات المتحدة. لأن الولايات المتحدة تحدد مصالحها على نطاق واسع وتستمر في إضافة الالتزامات طوال الوقت، فهي دائماً “تنجرف” إلى المواجهات لأنها ترفض وضع قيود على طموحات سياستها الخارجية”.
يجسد الوجود الأمريكي في سورية الكثير، ما يؤثر سلباً على سياساتها الخارجية ككل، ولن يتم إصلاح هذه السياسات أبداً حتى يتعلم صناع السياسة الأمريكية كيفية الابتعاد عن مثل هذه التشابكات والفوضى التي يتسببون فيها في معظم بلدان العالم.
لقد اتّسمت السياسة الأمريكية في سورية على مدى العقد الماضي بالتدخل غير المدروس والمدمّر من قبل الحكومة الأمريكية. بدءاً من إعلان أوباما المتهور الحرب ضد الحكومة السورية، إلى تسليح الإرهابيين،
إلى هجمات ترامب غير القانونية ، إلى سياسة الاحتلال والحرب الاقتصادية الحالية التي تشنّ ضد الشعب السوري. لقد تدخلت الولايات المتحدة في المكان غير المناسب، وقد قادت السياسة الخارجية للإدارتين الأمريكيتين الأخيرتين إلى طريق مسدود لا يوجد فيها سوى تكاليف باهظة ولا تؤدي إلى أي مصالح للولايات المتحدة. وبعد أن فشلت في حربها ضد الحكومة السورية الشرعية، تقوم الولايات المتحدة الآن بمعاقبة السكان المدنيين وذلك بفرض العقوبات الاقتصادية ومحاربتهم في لقمة عيشهم.
إنّ احتلال الأراضي السورية إلى أجل غير مسمّى وتعريض الجنود الأمريكيين للخطر لمثل هذه المهمة غير المجدية، لا علاقة له أبداً بالدفاع عن الولايات المتحدة وأمنها القومي.
وبدلاً من خنق الشعب السوري بالعقوبات وانتهاك السيادة السورية، يجب أن تساعد الولايات المتحدة في جهود إعادة الإعمار والإغاثة من أجل المساعدة في استقرار البلاد والمنطقة المحيطة بها. وفوق كل شيء تحتاج أمريكا إلى قادة سياسيين يفهمون أن سورية لن “تخسر” أبداً وأنه لا يوجد شيء يمكن “كسبه” من خلال الاستمرار بفرض المزيد من العقوبات المجحفة التي لا تهدف إلا إلى زيادة معاناة الشعب السوري .
المصدرThe American Conservative