ثورة اون لاين – هفاف ميهوب:
“حليم بركات.. عالم الاجتماع العربي، الذي حقق شهرة ملأت الآفاق، وهو بالوقت نفسه، كاتب روائيّ يمتلك رؤيا، وقد تحقّقت رؤاه منذ أكثر من أربعين عاماً ونيف.
هو المفعم بالإنسانية، الذي يقف عند الكثير من المحطات، حتى لو كانت صغيرة، يحلّلها ويقدمها برؤى جديدة”.
هكذا يبدأ الكاتب والإعلامي الزميل “ديب علي حسن” بتقديم الكاتب والباحث المقيم في أميركا “حليم بركات”.. هكذا يبدأ بتقديمه في حوارٍ أجراه معه ذات زيارة له إلى وطنه المعطّر بـ “ورد الكلام”. الكتاب الذي ضمّنه العديد من الحوارات التي أجراها مع أعلام الفكر والأدب والثقافة والشعر، ممن تركوا بصمات عميقة ومضيئة، هي ماتبقى لنا في هذا الزمن الذي استشرى فيه الجهل والظلام.
نبدأ بالسؤال الأجمل: “من الكفرون إلى بيروت، إلى الولايات المتحدة الأميركية، رحلة حافلة ومثمرة. أما آن لهذا الفارس أن يترجّل؟.
سؤالٌ، ما أطلقه “حسن” إلا ليهدي قارئه حكايا الذاكرة الإبداعية. ذاكرة “بركات” التي كانت تضجّ بالمعاناة في حياة، لم يتوقف عن خوضها والتعمق في رؤيتها، مثلما عن فلسفتها بكلماتٍ لابدَّ لمن يقرأها من أن يشعر بمقدار وجع الروح التي تصرخ حتى في غربتها الذاتية:
“لاتوجد راحة في الحياة، لا أؤمن بها ولا أبحث عنها. المهم أن تظل المعاناة مستمرة في علاقتك مع العالم ومجتمعك، والأوضاع السائدة فيه. الإنسان ذاتي، ولكن عليه احترام القضايا العامة من خلال العلاقة العامة، ومن المعاناة تكون الرؤية.
لاأحب أن أعيش في مكان دائم. أنا أعود إلى الوطن كل سنة، وأتجول في سورية ولبنان، وقد زرت بلداناً كثيرة. كنت في الثامنة يوم غادرت وطني، وفي معظم كتبي استفدت من تجربتي الذاتية”.
طبعاً، هي رغبة المبدع بالاكتشاف الأبدي، ولكلّ ما يزيد أرقه وتعمقه في البحث الوجودي. لكن، ولأن الجذور تبقى لدى المبدع ولاسيما المغترب، مركز الانطلاق لحياة ترسمها لحظات وأمكنة استثنائية، كان ردّه ولدى إصرار “حسن” على أن يعود به إلى هذه الجذور، مثلما إلى أجمل محطاته الحياتية:
“محطات كلها جميلة، ويمكن أن يحمل المستقبل العودة إلى الذكريات، وإلى شجرة الصفصاف التي أحبها وأعيد ما قلته عنها في “طائر الحوم” وفي “الاغتراب والثقافة العربية”:
وفي المنفى الطوعي، أصبحتُ أسير حنيني إلى الوطن، وانشغالي بقضاياه، وتنصحني الحبيبة بالتحرر من هويتي الذاتية، ورواسب الماضي. أجيب: الذاتية لا يمكن، أما ما تسميه رواسب، فأسمّيه الجذور، لذلك أحببت شجرة الصفصاف، ليس لأنها تبكي وتعكس دموعها على النهر، فتحدث دوائر تتلاشى في بعضها، وليس فقط لأن رؤوس أغصانها المتدلية ترسم أعيناً متتابعة على سطح الماء كلّما حركها الهواء. أحبها لأنها تنكفئ على ذاتها وجذورها، وكلّما كبرت في العمر، انحنت أغصاني نحو جذوري”..
أسئلة كثيرة ضمّخها “ورد الكلام” بالحب والحنين وذكريات الأرض والجذور التي هي لدى “بركات” أشبه بالسنديانة القوية. ضمّخها أيضاً، بآلامٍ سببها الغربة التي نختم بقوله عنها، رداً على سؤال “حسن” الذي استدعى لديه الهوية:
“تحدثت عن الغربة في أكثر من كتاب. كتاب “الهوية” وكتاب “الاغتراب في الثقافة العربية.. أيضاً، “متاهات الإنسان بين الحلم والواقع” وأضيف:
“إننا مازلنا نعاني من اختراق “حنين إلى الوطن”. من هنا، حلم العودة، فأزمة عدم الانتماء إلى الغرب قائمة. أنت تفهم ثقافة الغرب، لكن لا تستطيع أن تندمج فيه وأحياناً لا تفهمه”.