الثورة – سعاد زاهر:
تتثاقل تحاول الانسحاب منه في أوقات الأزمات، ولكنه يلازمك، وكلما تفلت منه، يعلق بك، ربما إن لجأت إلى تجارب تسندك، ترخي ظلالها الثقيلة، وتشعر أن دربك مغلق.
حتى بعد الانفراج والتطلع نحو أمل تتمنى ألا يغادرك يوماً، تتأمل في تلك الأوقات التي اعتنقت فيها الكتاب كسند لا يقاوم، كأنه يد خفية تصد عنك انحناءات الزمن ومآلات زمن الضيق، تلك التي أسقطتنا يوماً، كأننا ورقة مرمية قبالة الشمس والريح، نهتز من دون أن نجد مستقرنا.
لطالما أوقف ميلان كونديرا تلك الاهتزازات العبثية، حتى وأنت تقرأ روايته “كائن لا تحتمل خفته”، أو تتمعن في كلماته لتصل إلى تلك النتيجة التي ترى أن “الأسئلة الساذجة هي الأسئلة الهامة فعلاً.. تلك الأسئلة التي تبقى من دون جواب، إن سؤالاً من دون جواب حاجز لا طرقات بعده، وبطريقة أخرى: الأسئلة التي تبقى دون جواب هي التي تشير إلى حدود الإمكانات الإنسانية، وهي التي ترسم وجودنا.”
وكأن إمكانياتنا تتسع حين نؤمن أننا في مواجهة عالم التفاهة، لا نملك سلاحاً، سوى الكتب، سواء أكان الحديث عن الكتب ومبدعيها بمناسبة كتلك التي عايشناها مؤخرا، بمناسبة يوم الكتاب العالمي 23 نيسان التاريخ الذي أقرته اليونسكو منذ عام 1995، ويتم الاحتفال بالكتاب والمؤلفين لتزامن هذا التاريخ مع ذكرى رحيل عدد من المبدعين العالميين مثل شكسبير.
لا وقت محدد للحديث عن الكتب، كل الأوقات مناسبة، لأنك ما إن تعتنقها حتى تتغير، لأنها تعلمك الإيمان بقدرتك على التغير، كما تفعل بنا روايات الكاتبة فيرونيكا روث، لا الثلاثية التي تحولت إلى أفلام شهيرة “المتباينة” بل حتى نصها “احفر العلامة” ونحن نغوص فيه نجد سبباً للاستمرار، وليس بالضرورة سبباً جيداً، يجب أن يكون سبباً فحسب، نعرف السبب الخاص بنا، كان توقاً في داخلنا، ولطالما كان ذلك التوق أقوى من الألم، ومن الرعب، أنه لا يزال يتحرك حتى بعد أن استسلم كل شيء، لم يكن أملاً، ولم يكن يطير، إنه يسعى كالحية ويخدش ويجرف.. وعندما نحاول إيجاد معناه، نجد أنهُ شيء بسيط جداً: الرغبة بالحياة”.
تلك الرغبة في الحياة في نص فيرونيكا تتحول في رواية خوسيه ساراماغو” العمى” إلى قسوة رهيبة حين يصاب الجميع بوباء العمى، باستثناء زوجة بطل الرواية التي كأنها تعيش مقولة حين يجن الجميع فإن احتفاظك بعقلك يصير أقسى أشكال الانتحار.
وحين نمعن التفكير في تلك الأجواء التي يعتقد فيها الجميع فقدوا بصرهم، فذا بهم فاقدي البصيرة يعيشون في أزمنة نظام الأشياء فيها مقلوباً رأساً على عقب، وهذا الرمز الذي كان يعني الموت دوماً أصبح علامةً من علامات الحياة..
وحين نقترب من خاتمة الرواية نكتشف أننا نحن أيضا في موضع ما “كنا عمياناً تماماً وفى اللحظة التي عمينا فيها أعمانا الخوف وسوف يبقينا عمياناً”.
أولى خطواتك نحو النور، هو التفلت من هذا الخوف، ومن أكثر من عالم الكتب يعينك على فعلها..
وعلى تثوير عقلك ضد كل الجهالات التي تتعارك معها دهراً وتستعصي عليك عمراً.