الملحق الثقافي: رشا سلوم :
تمر هذه الأيام ذكرى رحيل كاتب ومرب ومفكر سوري، عرفته الثقافة والتربية علماً من الأعلام، إنه الراحل عبد الله عبد الدائم، فهو الذي أثرى الثقافة القومية بمؤلفات مهمة جداً، ولم يتوقف عن العطاء أبداً حتى رحيله.
محطات
ولد عبد الله بن الشيخ أحمد عبد الدائم بحلب عام،1924 من أب ينتمي إلى عائلة حلبية ذات مكانة علمية مرموقة، ومن أم تنتمي إلى عائلة آل السقا الحمصية المعروفة. وقضى حياته متنقلاً، بحكم عمل والده، بين العديد من المدن السورية، وأمضى معظم سنوات شبابه بمدينة حمص، إلى أن استقر به المقام بدمشق منذ عام 1948 حتى وفاته.
والأجواء التي سادت سنوات نشأته الأولى، منذ ولادته حتى مرحلة الدراسة الجامعية، هي التي رسمت إلى حد بعيد منذ وقت مبكر معالم شخصيته الأساسية ومنازعه الفكرية، والملامح البارزة لنتاجه ولآرائه ومعتقداته.
فلقد نشأ في أسرة متدينة، بل في أسرة اشتهر فيها العديد من علماء الدين.
في حوار معه، تطرق عبد الدائم إلى قضايا كثيرة، وكان الحوار شيقاً ومتنوعاً:
-تقول إن مشكلة النظام العالمي مشكلة ذات منشأ ثقافي. كيف تفسر ذلك؟
–حتى لو تركنا جانباً مقال (هانتينغتون) الشهير ثم كتابه عن (صراع الثقافات) يظل من الصحيح أن الغرب أنزل الثقافة الغربية منذ قرون منزلة أسمى من سواها من الثقافات، وأسمى من ثقافة الشرق بوجه عام وأسمى من الثقافة الإسلامية بوجه خاص، ويكفي أن نذكر – فيما نذكر- (النزعة المركزية) التي سادت الغرب قروناً طويلة والتي اعتبرت الغرب مركز العالم. حسبنا أن نذكر بواكير النزعة الاستعمارية الغربية قبل الحروب الصليبية وبعدها، وأن نذكر الكتاب والأدباء والفلاسفة الذين نادوا باستعمار البلاد العربية منذ القرن الثامن عشر على أقل تقدير.
ولقد خلق ذلك الاستعمار عالمين ثقافيين ازداد التباين بينهما يوماً بعد يوم: عالم المستعمرين المتفوق وعالم المستعمرين المتخلف في زعمه.
وأعقبت ذلك دعوة حديثة إلى تسطيح الثقافات والأخذ بثقافة واحدة متفوقة على سواها، هي ثقافة الغرب والثقافة الأمريكية بوجه خاص، ونادت تلك الدعوة بأن تلحق سائر الثقافات بركب هذه الثقافة الغربية المتفوقة في زعمهم.
ولا يتسع المجال للبحث في مدى تفوق الثقافة الغربية وفي مدى تخلف الثقافات الأخرى.
وحسبنا أن نقول إن الفروق بين الثقافات المختلفة فروق في النوعية والطبيعة لا في الدرجة والمستوى، وإن تنوع الثقافات مصدر غنى وثروة لها جميعها.
وليس من قبيل (الشوفينية) أن نقول إن الثقافة العربية الإسلامية يحق لها أن تقف شامخة أمام الثقافات الأخرى، وإن الثقافات العالمية الأخرى في أمس الحاجة إلى منطلقاتها وقيمها في عالم ضل طريقه بسبب ابتعاده عن القيم الإنسانية والخلقية، بل بسبب تنكره لها. ويكفي لتأكيد ذلك أن نذكر أن استراتيجية التربية لأمريكا للعام 2000 التي أقرها الرئيس بوش الأب أكدت أن تحقيق الغايات والأهداف الكبرى للولايات المتحدة (متوقف على إحداث نهضة حقيقية في القيم الأمريكية).
– في تعريفك للثقافة ترى أنها إرث اجتماعي، تاريخي، يحدد سلوك الأفراد الذين ينتمون إليها وأنها ليست ساكنة جامدة، بل هي واقع متحرك يستمر ويبقى من خلال التغيرات التي يخضع لها.. سؤالي:
-أين ثقافتنا العربية اليوم من هذا التوصيف؟ من حيث كونها صالحة لتكون إرثاً يجدد ادواته.
–التعريف الأنثروبولوجي الواسع للثقافة يرى فيها (جملة النشاطات والمشروعات والقيم المشتركة التي تكون أساس الرغبة في الحياة المشتركة لدى أمة من الأمم، والتي ينبثق منها تراث مشترك من الصلات المادية والروحية يغتني عبر الزمان ويغدو في الذاكرة الفردية والجماعية إرثاً ثقافياً بالمعنى الواسع لهذه الكلمة هو الذي تبنى على أساسه مشاعر الانتماء والتضامن والمصير الواحد).
هذا الإرث الثقافي المشترك يغتني عبر الزمان ويتجدد. وكل إرث ثقافي لا يتجدد معروض للتخلف والضعف والموت.
-وصيتك لجيلنا، وكيف تستشرف آفاق مستقبلنا؟
–لا أحب الوصايا. وأكتفي بالقول إن وصيتي في المجال القومي كتابي (الأعمال القومية) الذي صدر عام 2002 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر والذي يضم كتبي القومية السبعة التي كتبتها بين عامي 1957 و1965 أما في المجال التربوي فأوصي بكتابي (نحو فلسفة تربوية عربية) الذي صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 2000.
وقد حرصت على أن يكون لي موقع على الإنترنيت، ييسر الرجوع إلى كتاباتي المبعثرة التي لا تضمها كتبي والتي يربو عددها على ثلاثمائة.
من أهم مؤلفاته التربوية: التخطيط التربوي، أصوله وأساليبه الفنية في البلاد العربية؛ التربية التجريبية والبحث التربوي؛ التربية عبر التاريخ؛ التربية العامة (مترجم عن أوبير)؛ الثورة التكنولوجية في التربية العربية؛ التربية والعمل العربي المشترك؛ التربية وتنمية الإنسان في الوطن العربي؛ نحو فلسفة تربوية عربية.
التاريخ: الثلاثاء8-9-2020
رقم العدد :1012