الثورة أون لاين – د. عوني الحمصي :
من يتابع وكالات الإعلام والصحف المغرضة منذ الإعلان عن عزم وفد روسي رفيع زيارة سورية يلاحظ حالة الإرباك التي تمرّ بها تلك الوسائل الإعلامية على الرغم من أنّ الإعلان عن هذه الزيارة تمّ قبل أسبوع من موعدها ومن هم أعضاء الوفد الروسي المتمثل بين سياسي واقتصادي، والمفارقة انتهاء الزيارة وكانت واضحة بكلّ جوانبها من خلال المؤتمرات الصحفية من قبل الجانبين إلا أنهم ما زالوا يبحثون عن خفايا وأهداف هذه الزيارة منطلقين من فرضية بعيدة كل البعد عن الواقعية السياسية وهذا الأمر ليس بغريب عنهم، بالبحث عن نقاط خلاف بين الجانبين واعتقد أنّ السؤال الذي حيرهم لماذا في هذا التوقيت وما هو الغرض من هذه الزيارة ….؟ في الواقع لا تحتاج هذه الزيارة كل هذا التأويل وما تحمله من رسائل وتكهنات غير مبررة ويكفينا القول رداً على كل هذه القراءات والحسابات المغرضة ضد الدولة السورية، إنّ الطرفين توحّدا بالدم في مواجهة عولمة الإرهاب المعدل وراثياً في الميدان، وإنّ العلاقات استراتيجية بين بلدين وعمرها عقود من الزمن وهي مبنية على الاحترام المتبادل ويتعرّضان لذات الضغوط الأميركيّة من خلال عقوبات أحادية الجانب على الطرفين ” العقوبات الإرهابية الاقتصاديّة الأميركية ” فكان من الأمر الطبيعي أن يكون هناك تنسيق دائم لوضع خارطة طريق وتوحيد الرؤية الاستراتيجية للمرحلة المقبلة في ظِلّ عدّة ظُروف اقتصاديّة صعبة بسبب الحِصار والعُقوبات الأميركيّة المَفروضة على سورية في إطار قانون “قيصر”.
وبالتالي تأتي هذه الزيارة للانتقال من مرحلة وضع الخطط والبرامج إلى مرحلة التنفيذ الفعلية لمواجهة هذا الإرهاب الاقتصادي وكمرحلة أولى تمّ توسيع دائرة التعاون لتشمل قطاعات استثمارية مختلفة.
وقبل الحديث عن القطاعات وغيرها لا بدّ من التذكير بنقطة في غاية الأهمية وأعتقد أنها من أدّت إلى إرباك تلك الأطراف والتي لم تتخلص منها بعد وهي عقدة أيلول ٢٠١٥ عندما أعلن الطرف الروسي المشاركة الفعّالة في مواجهة الإرهاب مع الدولة السّوريّة وحققوا انتصاراً على المشروع الأميركي في دعم التنظيمات الإرهابيّة في الجغرافيّة السّوريّة.
واعتقد أنهم يتساءلون عن كلمة السّرّ بين الطرفين وهل هي فعلاً “أيلول” وخاصة أن هذه الزيارة تتزامن مع شهر أيلول ٢٠٢٠ لتكون بداية إعلان الحرب على العقوبات الاقتصاديّة الأميركيّة. من جهتي أقولها نعم والدليل ما جاء بشكل واضح وصريح من نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية وليد المعلم في المؤتمر الصحفي حين زفّ بُشرى للشّعب السّوري بتحسّن الأوضاع الاقتصاديّة خلال الأيّام والأشهر المُقبلة.
يوري بورسيف حمل في جُعبته 40 اتّفاقاً اقتصاديّاً لإعادة بناء مشاريع الطّاقة والنّفط والزراعة، أبرزها اتّفاق مع شركة روسيّة لاستِخراج النّفط من المِياه السوريّة شرق المتوسّط، وضخ استِثمارات في مجالات إعادة الإعمار، بالمناسبة إنّ أغلب القطاعات التي تمّ التركيز عليها في الاتفاقات كانت من القطاعات التي شملها إرهاب قيصر ومن هنا جاء الرد بالتركيز على هذه القطاعات للبدء بعمليّات إعادة الإعمار وكسر الحِصار الاقتصادي الأميركيّ، من خِلال التزام روسيا، بضخّ المِليارات، وعلى أوسعِ نطاقٍ، لإعادة بناء ما دمّرته الحرب، وهو التزامٌ يُوجّه رسالةً إلى أميركا أهم مُفرداتها أنّ سورية، وعمليّات الإعمار فيها، خطٌّ أحمر لن تسمح القِيادة الروسيّة بتجاوزه وتعريض حياة مُواطنيها وشركاتها واستِثماراتها للخطَر، وهذا ما أكد عليه نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف، أن سورية تتعرض للحصار الاقتصادي والعقوبات الأحادية الجانب وخاصة ما يسمى (إرهاب قيصر)، ونعمل على كسر هذا الحصار. ويتابع علينا أن نعترف بأن معظم المناطق الغنية وحقول النفط والغاز تقع خارج سيطرة الحكومة لسورية، وهذا الواقع يمنع الحكومة من استخراج النفط الذي يشكّل مورداً مهماً للميزانية السورية، والأمر نفسه ينطبق على الموارد الزراعية، ما يضرّ بالأمن الغذائي لسورية، مؤكداً أن السبب الأهم للوضع المأساوي في سورية هو عدم رغبة ” قسد” ، في التواصل مع دمشق وتسليم السيطرة للحكومة الشرعية على المناطق الزراعية وحقول النفط.
مما تقدم أعتقد أن اتفاقات أيلول ٢٠٢٠ بين الجانبين السوري والروسي ستشكّل بداية مرحلة جديدة لمواجهة الحرب الإرهابيّة الاقتصاديّة المفروصة على الدولة السورية من قبل الولايات المتحدة الأميركيّة وأدواتها في المنطقة.
وأخيراً نستطيع القول..
– بداية إعلان مرحلة إعادة الإعمار واعتبار كل من يعبث بمقدرات وخيرات الدولة السورية سواء من نهب أم إحراق والإرهاب وجهان لعملة واحدة.
– من حوامل مواجهة الإرهاب الاقتصادي هو إعادة سيطرة الدولة على المناطق التي تشكل الخزان الاقتصادي للثروات النفطية والزراعية ورفض أي شكل من أشكال تعطيل هذه العملية سواء من الوجود غير الشرعي الأميركي ّ أم التركي في
تلك المنطقة أم الانفصالين الذين يشكلون الأداة الرئيسة في يد الأميركيين وعليهم الإسراع في إعادة قراءة الحسابات والرهانات الخاطئة ولعلّ بداية انطلاق المقاومة الشعبية هي البداية وإعادة الاستثمار للثروات من قبل الدولة لرفد خزينتها من الأموال.
– مسار الحرب سيتخذ وجهتين في آن واحد الأول: الاستمرار في الحرب على التنظيمات الإرهابية المعدلة وراثياً، والثاني بداية إعلان مواجهة إرهاب قيصر وأعتقد أنّ الأول هو المدخل الرئيس للثاني.
– أخيراً في قادم الأيام سنرى حركة التبادل التجاري ومعدلات النمو ستتحسّن بين الطرفين وان حركة الإنتاج والاستثمار ستزداد وسوف تزدهر وتنشط الموانئ السّوريّة وكذلك الحركة في المطارات السّوريّة وتحديداً مطار دمشق الدولي.