الملحق الثقافي:سلام الفاضل :
المؤتمر الثقافي السوري هو مؤتمر سنوي هدفه جمع كبار الباحثين والمفكرين من أجل بحث أهم قضايا الثقافة السورية والعربية المعاصرة. في المؤتمر الثقافي السابق تمت مناقشة قضايا كثيرة تدور كلها حول إعادة إعمار الإنسان بشكل عام، في حين خصص المؤتمر دورته هذه السنة للحديث عن ثقافة الأطفال في زمن الحرب، وماذا حل بها وبهم، وكيف يمكن معالجة الشروخ والتصدعات التي أصابت هذه النفوس الغضة بعدما شاهدوا بيوتاً لهم تنهار، وأخوة وأهل وأصدقاء لهم يموتون أو يصابون بعاهات.
وقد جُمعت فعاليات هذا المؤتمر في كتاب صدر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، حمل عنوان (المؤتمر الثقافي السنوي الثاني…»ثقافة الأطفال في زمن الحرب»)، إعداد وتوثيق: نزيه الخوري، ومحمود عبد الواحد. وتناول بين دفتيه أوراق العمل التي قدمها المشاركون في هذا المؤتمر، والتوصيات التي خرجوا بها في ختامه.
خصوصية الكتابة للأطفال
الكاتبة لينا كيلاني كانت إحدى المشاركات في هذا المؤتمر، وقد قدمت خلاله ورقة عمل بعنوان (الكتابة للأطفال، خصوصيتها، وأهميتها، ومن يستطيع القيام بهذا الدور)، وافتتحت مداخلتها بالإشارة إلى أن أدب الأطفال يمكن أن يُعتبر مصدراً مهماً من مصادر التعريف بمنظومة القيم، وبث المعارف، وتنمية المهارات اللغوية، إلى جانب اعتباره نبعاً ثراً للمتعة والتشويق، ويتكامل دوره مع دور المؤسسة التربوية، ودور الأسرة.
كما عرجت في حديثها إلى التراث الذي أكدت بأنه ما يزال حياً بيننا، وهو يعمل على بث القيم، ورأت بأن نظرة واعية ومعاصرة ودقيقة في معيار القيم الدينية والأخلاقية والتربوية، تجعلنا جريئين جداً في الرجوع إلى هذا التراث، والإفادة منه، وجعله جسراً، ودرعاً ليس بين الأجيال فقط بل بين الحضارات أيضاً، لأن هذا العصر يدعو إلى عولمة يختلط فيها الحابل بالنابل، ولا تكاد الأجيال فيه تفرق بين ما هو لها، وما هو لغيرها.
أما عن زمن الحرب هذا الذي باغتنا واجترح طفولة أبنائنا، فإن كيلاني ترى بأن هذا الزمن يجعلنا لا نكتفي بقصص التراث وغيرها، بل يدفعنا لأن نقدم لأطفالنا ما يتعلق بتراثنا القريب من نضالنا ضد الاستعمار مما يثير اهتمام الطفل، ويؤكد على القيم النضالية لديه. وتشدد كذلك في معرض حديثها على ضرورة عودة كتّاب الأطفال إلى الحقائق الناصعة، وأن يبثوها بهدوء وموضوعية، فلا يبعدون الأطفال عما يجري حولهم من جهة، ومن جهة أخرى يعطونهم أملاً وتفاؤلاً بالتآخي بحيث يكبرون تحت مظلة إنسانية شاملة.
كما تُعدد الشروط الكفيلة، من وجهة نظرها، بنجاح أدب الأطفال، ووصوله إلى قلب الطفل وعقله، ومنها: أن يتسم بالحبكة المتماسكة، والأحداث المشوقة، واللغة السليمة التي يشتمل عليها قاموس الطفل اللغوي، كما جمالية النص، إلى جانب روح المرح، والابتعاد عن الوعظ المباشر وخطابية الحوار، ومنطقية الأحداث في تصاعدها الدرامي، ومراعاة المرحلة العمرية التي يتوجه إليها النص، سواء أكان قصة، أو شعراً، أو نصاً مسرحياً، أو دراما تلفزيونية، أو سينمائية، أو غير ذلك.
وترى في الختام أن مشاركة الأطفال أنفسهم فيما يقدم إليهم أمر مهم وضروري، فقد انتهى زمن الوصاية، وعهد الحكاية الخرافية، وقصص السحر والجن، وغيرها، في زمن الوعي المعلوماتي، وملامسة حقائق الكون، فأطفال اليوم ليسوا كأطفال الأمس، والألفية الثالثة ليست بأحلام النجوم، والكواكب بل بالوصول إليها، وهي ليست في حدود المستحيلات، بل في عوالم الممكنات.
القصة الطفيلة كوسيلة تربوية تعليمية
بدورها تتناول الأستاذة مها عرنوق موضوعة القصة الموجهة للأطفال، وخصوصيتها كوسيلة تربوية وتعليمية، وكأداة لتنمية خيال الطفل، وتبدأ مداخلتها بتعريف فن القصة الطفلية بأنه فن عريق لصيق الروح بالإنسان في كل زمان ومكان، كما أنه أسلوب إبداعي من أساليب البيان. وترى بأن قصص الأطفال جزء من القصص والأدب العالمي فقد ظهرت في القرن التاسع عشر، ولكنها قديمة جداً. فالكثير من الحضارات القديمة تبدّت من خلال نصوص تؤكّد أن الأمهات كن يروين الحكايات لأطفالهن للتسلية.
وتؤكد عرنوق في محاور ورقتها بأن القصة الطفلية، التي ترتكز على جملة من العناصر هي: الموضوع، الأشخاص، الحبكة، الهدف، أو الحل، بيئة القصة الزمانية والمكانية، هي وسيلة تربوية تعليمية محببة، تهدف إلى غرس القيم والاتجاهات الإيجابية في نفوس جمهورها، وإشباع بعض حاجاتهم النفسية، والإسهام في توسيع مداركهم، وإثارة خيالاتهم، والاستجابة لميولهم في المغامرة والاستكشاف. وهي كذلك وسيلة جيدة لتكريس علاقات وأنماط سلوكية إيجابية في حياة الطفل، وتعزيز الاتجاهات التي تنمّي قدراته على مواجهة المشكلات، وتقوّم سلوكه، وتكسبه سلوكيات جديدة موجودة في القصة، تتسرب إلى نفسه دون الحاجة إلى إجباره على حفظ حكم أخلاقية، لتتحول هذه الحكم والقيم إلى سلوك صحيح بالتدريج.
وتبيّن عرنوق أن للقصة الطفلية أهدافاً شتى تكمن في أعطافها، ومنها: قدرتها على إمتاع الطفل، وإسعاده، ومعالجتها مشكلات الطفل، ومساعدتها في بناء شخصيته، إلى جانب دورها الفعّال والإيجابي في النمو الانفعالي للطفل، والتحكم في النمو النفسي، والانفعالات غير السارة عن طريق اكتساب انفعالات مقبولة كالسرور والبهجة والمشاركة الوجدانية، إضافة إلى إكسابه اللغة الصحيحة، والمفردات الجديدة، وتهذيب ذوقه، وتنمية مهاراته في التعبير عن النفس والمشاعر. وعليه فإن هذا الفن يعد من أبرز فنون أدب الأطفال، وأكثرها انتشاراً، إذ يستأثر بأعلى نسبة من النتاج الإبداعي الموجه للأطفال، ويحظى بالمنزلة الأولى لديهم، قياساً إلى الفنون الأدبية الطفلية الأخرى.
الإعلام الموجه للأطفال
من جانبها تلج الإعلامية هيام حموي إلى موضوع الإعلام الموجه للأطفال، وتتناول الحديث عن أهدافه، وأهميته، وتأثيره التربوي على الطفولة، وتشير قبل دخولها لبّ الموضوع إلى ناحية جوهرية تحدد مسار بحثها، وهي أنه لا يمكن تناول الموضوع بناء على أن أطفال سورية يمكن وضعهم في إطار واحد وتقديم منتج إعلامي موحد لهم، حتى لو تم تقسيم فئاتهم عمرياً، فالأصح – بحسب تعبيرها – أن يكون تمييز الفئات ما بين أطفال نزحت عائلاتهم إلى دول الجوار، وأطفال لم ينزحوا وعاشوا مع ذويهم مشقات الحياة اليومية في ظل الحرب، وآخرين شردهم اليتم والفقر، وفئة سيطر الإرهابيون على عقولهم ومصائرهم، دون نسيان الأطفال الذين هاجروا مع أهلهم إلى بلدان الاغتراب، والذين سيبقون متأرجحين ما بين أصولهم السورية والمجتمعات التي استقبلتهم.
وتُدرج حموي في بحثها جملة من المقترحات التي ترى أنها تحتاج دون شك إلى باحثين ومتخصصين وإمكانات مادية لا بأس بها، وتتمثل بما يلي: بداية إنشاء كيان إداري مشترك (لجنة( بين أربع وزارات هي: الثقافة والتربية والإعلام والشؤون الاجتماعية والعمل، يكون من مهماتها متابعة تأسيس هيئة لإنتاج الألعاب الإلكترونية الهادفة، ومقاطع فيديو ذات مضمون جذاب، إيجابي أخلاقي فني مدروس، وإنشاء منصة قادرة على الوصول إلى الأطفال وعقولهم من خلال الوسائل المتاحة بين أيديهم، ولا بأس من إجراء دراسات معمقة للوسائل التي يستخدمها الأعداء في غزوهم عقولنا من أجل استخدام هذه الطرق في التصدي لعدوانهم العقلي والنفسي علينا.
وإضافة حصة «تربية إعلامية» في المدارس يشرح فيها المدرس أبعاد ما يُسمع أو يُشاهد على مختلف الوسائل، إلى جانب تفعيل وتنشيط الإذاعة المدرسية، وضرورة إيجاد شخصية قدوة حسنة للأطفال، إضافة إلى أهمية لفت النظر للطبيعة والبيئة ببرامج تشجع على الحركة بعيداً عن الشاشات اللوحية، والخروج من القوالب الجاهزة، فيما يتعلق بأغاني الأطفال، وامتطاء الموجات السائدة لملء قوالبها المغرية بكلام يناسب أعمار الأطفال.
وتشدد حموي في ختام ورقتها على أهمية إعداد برامج توعوية للأهل والمدرسين تُبث عبر كافة الوسائل الإعلامية المعروفة والجديدة، وضرورة تشجيع كتّاب الدراما على تأليف أعمال توجيهية تبسط التعامل مع المواضيع التربوية المعقدة في هذه المرحلة.
يقع هذا الكتاب في ١٦٠ صفحة من القطع الكبير.
التاريخ: الثلاثاء15-9-2020
رقم العدد :1013