فتح حديث دونالد ترامب الرئيس الأميركي بشأن التخطيط أو الطلب بتنفيذ عملية اغتيال للسيد الرئيس بشار الأسد الباب واسعاً لاستعادة سلسلة طويلة من الاغتيالات السياسية التي نفذتها الإدارات الأميركية المتعاقبة بحق كل من خالفها أو وقف عائقاً أمام مخططاتها ومشاريعها ، صغيرة كانت أو كبيرة ، الأمر الذي يظهر حجم ومكانة ما تشكله سورية بمكانتها وشعبها ودورها وقيادتها من عقبة مانعة للمضي في تنفيذ المشروع الإمبريالي الصهيوني الاستعماري الغربي الهادف إلى السيطرة على مقدرات الأمة العربية وإلحاقها بعجلة الدوائر الاستعمارية الغربية.
لقد كان الاغتيال السياسي والقتل الأسلوب المتبع دوماً في مواجهة معارضي السياسة الأميركية، وعلى سبيل الإشارة والتذكير نستعيد قتل المخابرات المركزية الأميركية لرئيس وزراء فيتنام عام ١٩٦٣ نيجو ديدين ، لتتابع مشروعها في اغتيال قرابة أربعين ألفاً من الفيتناميين وفق برنامج شهري بعد عملية اغتيال كولبي في فيتنام عام ١٩٦٩.
وكان قد سبق ذلك اغتيال الناشط الحقوقي مارتن لوثر كينغ المطالب بالمساواة ما بين السود والبيض وذلك في العام ١٩٦٨.
ولعل عملية اغتيال سلفادور الليندي رئيس تشيلي المنتخب وتنصيب الجنرال بينو شيت المرتبط بالاستخبارات الأميركية تعيدنا إلى المتغيرات التي حصلت في تلك الدولة الأميركية اللاتينية عام ١٩٧٤ ودخولها في حالة القمع والاغتيالات لفترة طويلة.
وهنا لا ننسى عمليات الاعتداء على دور العبادة وإسكات صوت الشخصيات الفاعلة والمؤثرة، فتأتي عملية اغتيال المونسنيور روميرو رئيس أساقفة السلفادور معبرة عن الآلية الخبيثة التي تستخدمها الإدارة الأميركية في تصفية معارضيها وخصومها أينما كانوا ومهما كانت مواقعهم ومكانتهم السياسية أو الاجتماعية وحتى العلمية والثقافية، إذ يمكن أن نسجل عشرات عمليات الاغتيال لباحثين وعلماء ومفكرين لم يخضعوا للسياسة الأميركية والصهيونية، فكان مصيرهم التغييب بأساليب وأشكال مختلفة، وهذه سياسة لم تتغير يوماً ، وهي وإن كانت تنفذ من دون تهديدات مسبقة غالباً ، فإنها اليوم في عهد ترامب تأتي على شكل تهديد واضح وموصوف جنائياً وقضائياً ، الأمر الذي يستدعي مواجهة قانونية لتجريم ذلك التهديد وخاصة أن اتفاقية نيويورك لعام ١٩٧٣ بشأن حماية الأشخاص المتمتعين بالحماية الدولية تؤكد وتضمن حقنا في رفع دعوى قضائية تفضح تلك الممارسات وتجرم الإدارة الأميركية ورئيسها.
هذه واحدة من ساحات المواجهة المفتوحة التي تعكس حالة الصراع المستمرة ما بين قوى البغي والعدوان وبين الشعوب والأمم ذات البعد الضارب في العمق ، إذ تشكل المواجهة حرباً متعددة الوجوه بطابع حضاري مقاوم يواجه وجهاً معتدياً ومتوحشاً يمتلك وسائل التقنية الحديثة كلها، لكنه يطوعها للتدمير والقتل، وذلك أمر سيستمر طالما بقي السلوك الإمبريالي موجوداً.
ونحن مؤمنون في أن المواجهة في أي صراع حضاري سيكون النصر النهائي إلى جانب أصحاب العمق الحضاري، بينما سيذهب منتحلو الحضارة مع عدوانهم إلى قاع الجحيم وإن امتد الزمن.
معاً على الطريق – مصطفى المقداد