السلام مقابل ماذا ؟

 

تاريخياً كان حلم الحركة الصهيونية التي تأطرت عبر مؤتمر بال الذي انعقد في سويسرا عام 1897 يتمثل بتحقيق هدفين استراتيجيين أولهما إقامة ما يسمي دولة الشعب اليهودي في فلسطين التي هي في السردية الدينية اليهودية أرض الميعاد، أما الهدف الثاني الذي لا يقل أهمية عنه فيتمثل في اعتراف العرب بشرعية ذلك الكيان بحيث يصبح حالة طبيعية في المنطقة شأنه شأن باقي الدول. وقد استطاعت الحركة الصهيونية العالمية عبر استثمار نفوذها المالي والإعلامي والديني في الجسم السياسي الأوروبي والأميركي لاحقاً واستثمارها الظرف الدولي المتشكل أثناء وبعد الحربين العالميتين الأولى والثانية تحقيق الهدف الأول المتمثل في إقامة دولة يهودية على جزء من أرض فلسطين التاريخية وذلك بعد حرب 1948 التي جرت بين الجيوش العربية والعصابات الصهيونية التي تشكلت في فلسطين بحماية ورعاية واحتضان بريطاني أثناء الانتداب عليها وفق قرار عصبة الأمم، علماً أنه قد سبق ذلك قرار صادر عن هيئة الأمم المتحدة برقم 181 يقضي بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود، وهو القرار الذي لم تلتزم به الحركة الصهيونية وكيانها الاستيطاني الوليد حيث استولت القوات الصهيونية على المزيد من الأراضي الفلسطينية الواردة في قرار التقسيم إضافة لقيامها بطرد وتهجير السكان الفلسطينيين من أراضيهم وتحويلهم إلى لاجئين أو نازحين خارج وطنهم التاريخي.

وبعد أن تكرس قيام الكيان الإسرائيلي بفعل عامل القوة في فلسطين سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تحقيق الهدف الثاني والذي لا يقل أهمية من الناحية الإستراتيجية عن الهدف الأول والذي يتمثل في اعتراف الدول العربية والفلسطينيين والعرب عموماً بشرعية ذلك الكيان لكي يشعر بالأمان والاستقرار وهو المسكون تاريخياً بثقافة الخوف والشك بالآخر، ما يشكل له قلقاً وصداعاً مستمرين، واتبعت كل الوسائل لتحقيق ذلك الهدف بما في ذلك العدوان المسلح والتوسع وأساليب الضغط السياسي على بعض الأنظمة العربية بحكم النفوذ الذي تحظى به الحركة الصهيونية في العالم ولاسيما لدى القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب الأوروبي، ولكن الفشل كان من نصيب كل تلك المحاولات إلى أن جاء عدوان حزيران عام 1967 وما نتج عنه من احتلال لكامل أرض فلسطين والتي عرفت بالضفة الغربية بما فيها شرقي القدس إضافة للجولان العربي السوري وشبه جزيرة سيناء المصرية، وكانت الفكرة الإسرائيلية أن يكون ثمن الاعتراف بإسرائيل هو إعادة هذه الأراضي للدول التي احتلت منها أو ما سمي “الأرض مقابل السلام” إلى درجة أنها سميت في اللغة العبرية الأراضي الممسوكة وليست المحتلة أي إنها أشبه ما تكون بالرهينة التي تحتجز مقابل الحصول على ثمن ما، وهي العبارة التي وردت في ما سمي “صفقة القرن” وعلى الرغم من الرفض العربي ابتداء لأي صلح أو اعتراف أو تفاوض مع إسرائيل وهي لاءات مؤتمر قمة الخرطوم في آب 1967 والتأكيد على مقولة إزالة آثار العدوان ورفض قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في تشرين الثاني 1967 واستمرار ذلك الخطاب كموقف سياسي إلى ما بعد قيام حرب تشرين عام 1973 وما تبعها من انفتاح مصري على الولايات المتحدة الأميركية وما شكله ذلك من تحول في البيئة الاستراتيجية في المنطقة مع اختلال في موازين القوى بين العرب وإسرائيل أفضى إلى اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية التي شكلت أول اعتراف عربي بإسرائيل وما لذلك من تداعيات سلبية على مجمل قضية الصراع العربي الإسرائيلي مازلنا نعاني منها حتى اليوم بحكم ثقل مصر التاريخي في المنطقة ومنها معادلة الصراع ذاته.

على الرغم من أن معاهدة الصلح المصري الإسرائيلي قد قامت على مبدأ الأرض مقابل السلام والاعتراف بإسرائيل إلا أن ما جرى بين الأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل سواء في أوسلو أو وادي عربه لم يقم على ذات المعادلة حيث لم تتم استعادة الضفة الغربية أو الأراضي التي احتلت في حرب 1967 للأردن أو للفلسطينيين وتم الاكتفاء بسلطة حكم ذاتي في أجزاء من الضفة الغربية ولكن تحت الهيمنة الكاملة للسلطات الإسرائيلية أو شكل بداية انقسام فلسطيني حاد وتحول القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني تحظى بتأييد عالمي محصنة بقرارات أممية إلى نزاع على أرض، أخذاً في الاعتبار أن منظمة التحرير الفلسطينية قد اعترفت بإسرائيل وكذلك المملكة الأردنية الهاشمية بعد فك الارتباط بالضفة الغربية.

والسؤال الآن: ماذا يعني ما سمي التطبيع بين دولة الإمارات العربية المتحدة وكذلك البحرين وما يتضمنه من اعتراف وتبادل سفراء وصولاً إلى تحالفات استراتيجية بين دول الخليج وإسرائيل وهذا ما هو متوقع في إطار القراءة الاستراتيجية لمشهد الصراع في المنطقة والعالم والتنافس الأميركي الصيني على خطوط التجارة البرية والبحرية والبقاء القوة الاقتصادية الأولى في العالم والحد من الصعود الصيني غير المسبوق إضافة للسعي لمحاصرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحرف بوصلة الصراع في المنطقة بما يخدم الكيان الصهيوني سيما بعد الفشل في إسقاط الدولة السورية ونظامها السياسي وإخراجها من دائرة الصراع مع إسرائيل وهي التي لازالت في حالة حرب معها ؟

إنه سؤال مهم في إطار وضع المسألة في سياقها الصحيح لجهة أن ما تم الإقدام عليه في واشنطن من حالة كرنفاليه يعيد إلى الأذهان كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربه ولكن هذه المرة سلام مقابل كلام، وسلام تفرضه القوة التي تحدث عنها نتنياهو بكل صفاقة في حديقة بيته الأبيض علانية مستشهداً بمقولة وردت في التوراة على لسان النبي سليمان فحواها أن القوة تجلب السلام والأصدقاء ؟ ما يعني بالنسبة للإسرائيليين انتصار المعسكر اليميني الذي يرفض مقولة الأرض مقابل السلام وإنما السلام مقابل السلام، أي السلام القائم على الخوف من الآخر وليس الاطمئنان إليه أو شرعيته من عدمها.. إنه استسلام بمسمى سلام ؟

إضاءات- د. خلف المفتاح

آخر الأخبار
بقيمة 2.9مليون دولار.. اUNDP توقع اتفاقية مع 4 بنوك للتمويل الأصغر في سوريا حمص.. حملة شفاء مستمرة في تقديم خدماتها الطبية د. خلوف: نعاني نقصاً في الاختصاصات والأجهزة الطبية ا... إزالة مخالفات مياه في جبلة وصيانة محطات الضخ  الألغام تهدد عمال الإعمار والمدنيين في سوريا شهادة مروعة توثق إجرام النظام الأسدي  " حفار القبور " :  وحشية يفوق استيعابها طاقة البشر  تفقد واقع واحتياجات محطات المياه بريف دير الزور الشرقي درعا.. إنارة طرقات بالطاقة الشمسية اللاذقية.. تأهيل شبكات كهرباء وتركيب محولات تفعيل خدمة التنظير في مستشفى طرطوس الوطني طرطوس.. صيانة وإزالة إشغالات مخالفة ومتابعة الخدمات بيان خاص لحفظ الأمن في بصرى الشام سفير فلسطين لدى سوريا: عباس يزور دمشق غدا ويلتقي الشرع تأهيل المستشفى الجامعي في حماة درعا.. مكافحة حشرة "السونة" حمص.. تعزيز دور لجان الأحياء في خدمة أحيائهم "فني صيانة" يوفر 10 ملايين ليرة على مستشفى جاسم الوطني جاهزية صحة القنيطرة لحملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال فيدان: الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا تزعزع الاستقرار الإقليمي الجنائية الدولية" تطالب المجر بتقديم توضيح حول فشلها باعتقال نتنياهو قبول طلبات التقدم إلى مفاضلة خريجي الكليات الطبية