الثورة اون لاين – سلوى الديب:
أدب الأطفال من أصعب الفنون الأدبية ، فهو الأدب السهل الممتنع، يحتاج نقاء من الداخل وطفولة متجددة من الأديب ليصل لعقل الطفل، ونحن بعد هذه الحرب المجنونة، أصبحت مهمة الأديب أكثر صعوبة بسبب الترسبات العالقة في وجدان أطفالنا، فكان لنا وقفة مع عدة أدباء للطفل ليحدثونا عن تجربتهم:
تبني الأخلاق السامية
قال الأديب أسعد الديري : لتأسيس وعي طفلي مغاير، نحن بحاجة إلى جهود وزارة التربية بالدرجة الأولى لأنها الوزارة الوحيدة التي تبقى على تماس مباشر مع الطفل منذ مراحل تشكل وعيه الأولى، في اليابان تقوم وزارة التربية بتدريس مادة “الطريق إلى الأخلاق” من الصف الأول وحتى الصف السادس لتأسيس وعي طفلي حضاري قادر على مواكبة التطور، والمنظومة الأخلاقية التي نتمنى أن يتمتع بها طفلنا هي نفسها المنظومة الأخلاقية التي يتمتع بها كل أطفال العالم (الأمان، الصدق، حب العمل، احترام العالم، النظافة، الخ..) لذا أتمنى من وزارة التربية أن تتبنى هذه القيم الأخلاقية السامية وتقوم بتدريسها بشكل عملي لأطفالنا وبذلك نكون قد اعتدنا جيلاً متمسكاً بقيم أخلاقية أصيلة وحسبنا أن نتذكر ما قاله الشاعر احمد شوقي: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
–
نصوص شعرية وقصصية تعيد توازنهم
وأضاف الهجمة الشرسة التي قام الظلاميون على سورية خلقت جيلاً مثقلاً بالمآسي والأوجاع لأنها حولت الحدائق إلى مقابر و المدارس إلى ملاجئ والشوارع إلى ساحات قتال والأشجار إلى متاريس، أما بالنسبة لنا نحن الكتاب فقد دفعتنا إلى التصدي والصمود لأننا ندرك أبعاد هذه الهجمة، وندرك حجم المؤامرة التي حيكت باتجاه وطننا الآمن، وأصبحت من مهام الكاتب في هذه المرحلة أن يعيد إلى الطفولة ألقها و براءتها وعفويتها وان يقدم للطفل نصوصاً شعرية و قصصية تعيد له توازنه مع هذا العالم المثقل بالوحشية وما خلفته هذه الأزمة من ارتكاسات و انتكاسات في نفوسنا نحن الكتَّاب لعبت دوراً هاماً وبارزاً في زيادة إصرارنا وعزيمتنا للتصدي لهذه المؤامرة و لفضح خبث الشياطين وأبالسة هذا العالم و دفعتنا إلى الكتابة عن هذه الأزمة كي يعي أبناؤنا الأحداث التي مروا بها لأننا حاولنا من خلال نصوصنا التي كتبناها لهم أن نفسر لهم ما يمر به وطننا العزيز.
قلة عدد المجلات الموجهة للأطفال
– لا صعوبات تواجهني أثناء الكتابة ولكن الصعوبات تتجلى ما بعد الكتابة وأقصد طريقة إيصال النصوص التي نكتبها للطفل، فعدد المجلات لدينا لا يستوعب الكم الكبير من النصوص التي تقدم إلى الأطفال من الكتّاب فليس لدينا سوى مجلة أسامة للأطفال ومجلة شامة التي تنشر للأطفال في المرحلة المبكرة واعتقد أن هذا غير كاف..
ما أتمناه لأطفالنا أن تقوم الجهات الرسمية في بلدنا بتقديم كل ما هو جميل وممتع لهم كما أتمنى من الجهات الرسمية أن تقوم بتقديم الحوافز المناسبة للكتاب لتشجيعهم وزيادة اهتمامهم بأدب الطفل..
وضع الأطفال على عتبات الحرية
جمال السلومي يقول: التأسيس لوعي طفلي مغاير من الأهمية بمكان أن نؤسس لوعي طفولي مغاير، فقد عاش أطفالنا على امتداد الأزمة في صراع داخلي وخارجي فرضته ظروف الأزمة من مناظر الموت والخراب والدمار والتي ما زالت ماثلة للعيان لذا علينا مسح هذه التشوهات من الذاكرة وأن نبشر بمستقبل مشرق يقبض الأطفال فيه على مفاصله بالحب والاجتهاد والمثابرة . ولنعترف أولا أن أطفالنا مؤدلجون من الولادة سياسياً وعقائدياً ودينياً وحتى أسرياً وعلينا الآن أن نرسم لهم ملامح درب مغاير وأن نضعهم على عتبات الحرية وأن نطلق أجنحتهم للريح في الوطنية والعدل والمساواة، وأن نمنحهم حرية التفكير والاختيار مع المراقبة عن بعد والتوجيه عند الضرورة
عدم وجود مواضيع تجذب الطفل
لم تؤثر الأزمة كثيراً على إنتاجي الأدبي الطفلي لأنني بالأساس ضعيف رجع الصدى فإن كل صدمة أتعرض لها تبلد من أعصابي إلى أمد بعيد، ولكنني لا أنكر أن الأزمة وقد طالت واستفحلت قد تركت في نفسي شرخا عميق الأثر لابد وأن تظهر آثاره في كتاباتي، ومع ذلك فقد حاولت ما استطعت أن أنأى بقصصي الطفلية عن مشاكل الأزمة ومفاعيلها إلا فيما ندر وحاولت جاهدا أن أتوجه بقصصي لتفكير الطفل نحو قضايا العلم والمعرفة والخيال العلمي وأن أزرع على شفتيه طيف ابتسامة وأن أوسع من مداركه وأن أسمو بلغته وأغني معجم مفرداته، وأما نتاجي الأدبي الطفلي خلال الأزمة فقد بقي محافظاً على نوعيه، أما من حيث الكم فقد تضاءل نتاجي بسبب الظروف الراهنة والمتاعب النفسية ولأنني لا أجد المواضيع المناسبة التي تجذب الطفل وتسره في زمن القحط.
صعوبة خلق فضاءات قصصية تجاري الطفل
أما من حيث الصعوبات التي تواجهني في الكتابة للطفل فهي أن الطفل لم يعد طفلاً بمفهومنا العام فقد سبقني في ميادين كثيرة فقد أصبح أوسع تصوراً للأمور وأقدر مني في استخدام تقانات العصر من موبايل وحاسوب ولم أعد قادرا على خلق فضاءات قصصية تلبي طموحاته وتثير أحاسيسه ورغباته، ومن الصعوبات أيضا وعلى الرغم من قلة النتاج القصصي الطفلي، غير أن وسائل الطباعة والنشر غير متاحة فلا يوجد اهتمام حقيقي بالقصة الطفولية من قبل اتحاد الكتاب ولا من قبل وزارة الثقافة والطباعة بشكل شخصي أصبح مكلفاً لا يقدر عليه الكاتب وإن كان هناك اهتمام فلدي مجموعتان ولدي الموافقة على النشر أرجو تبنيها ، ولتعافي القصة الطفلية فإنني أرى أن تكثر من اللقاءات بين الأطفال والأدباء وأن نشجع الأطفال على الكتابة وأن نرعاهم كما أتمنى أن يصور إلى تسهيل عملية النشر.
ترسيخ القيمة الجمالية والتربوية
تحدث الأديب معاوية كوجان عن الأمر قائلاً: الأدب والكتابة بشكل عام هي مسؤولية قبل أن تكون موهبة، عندما يعمدُّ أديب الأطفال للكتابة يكون في ذهنه هدف من وراء هذه الكتابة، أولاً أن يؤمن أن الهدف الأساسي من العملية الكتابية الموجهة للأطفال هي تقديم الفائدة و المتعة معاً، فيقوم بهذه العملية ويحاول أن يرسخ فيها القيمة الجمالية والتربوية، التي يريد إيصالها لذهن الطفل، ويجعله يؤمن بها ويحاول اعتناقها وتطبيقها بحياته العملية، و لكي ينجح أديب الأطفال في هذه العملية لابد أن يقدم الجديد، وإذا قدم شيئاً تقليدياً يعرفه الطفل أو عاشه من قبل قراءة أو كتابة أو اقتناء لن يكون هناك التأثير المرجو من هذه الكتابة.
أدب الأطفال يحتاج التجديد
فعندما يقدم أديب الأطفال هذه القيمة في قالب شعري أو قصصي أو روائي، بشكل جديد فيه إبداع والخروج عن المألوف والتجديد، مما يجعل طفلنا يثور ويتقبل هذا الأدب المقدم له، سيشعر بأن هذا الذي يقرأه ويسمعه يلامس في ذهنه أشياء تجعله يفكر ويعتنق ويطبق هذه الأمثولة التربوية والجمالية، ومن هنا تأتي أهمية التأسيس لوعي طفلي مغاير، فيه تجديد وخروج وإضافة عن الأساليب والمعاني التي يريد الإتيان بها، ويريد أن يوظفها في ذهن ونفس طفلنا القارئ والسامع.
انعكست الأزمة شحا في الكتابة
ولابد من الإقرار والإذعان بأن الأزمة التي نعيشها تركت آثار تربوية سلبية كثيرة في العملية الأدبية الطفلية بشكل خاص، على الصعيد الشخصي كانت موهبتي الأدبية تتفجر بين الحين والآخر قبل الأزمة، وكنت دائم العطاء والكتابة والمشاركة في الندوات والملتقيات الطفولية والنشر هنا وهناك، أثرت الأزمة في قلة الكتابة والنشر والمتابعة.
الأديب الموهوب أدواته حاضرة
الأديب الموهوب لا يجد صعوبة في إنجاز العملية الكتابية للطفل، وأنا على الصعيد الشخصي تأتيني الفكرة وتتبلور على الورق، أشعر بأن هذه الولادة كانت سهلة وطبيعية لأنها وليدة تفكير كمون ووليدة تفجير بعد الكمون، الأديب الموهوب أدواته الكتابية حاضرة ومتينة وقاعدته الثقافية راسخة لا يجد صعوبة في الكتابة.
** إعادة اللحمة بين أديب الأطفال وجمهوره
ويقع على عاتق المعنيين في وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب لابد من إعادة ما توقف من أنشطة مخصصة للأطفال، في المدارس والمراكز الثقافية والملتقيات في فروع الاتحاد وروضات الأطفال ونقدم لهم قصص وأشعار الأطفال ونجري الحوارات، ليعيد اللحمة للأديب وجمهوره من الأطفال، وأن تنشط وزارة الثقافة في إصدار مجموعة شعرية وقصصية طفلية مخصصة للأطفال فيها من الجدة والإبداع في عقل الطفل.