الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
إذا كان على المرء أن يحكم، ويستمر في الحكم، يجب أن يكون المرء قادراً على تفكيك الإحساس بالواقع. لقد تخلصنا من العالم الحقيقي وتحولت حياتنا إلى شاشة رقمية، حيث يكون الحقيقي غير واقعي ولكنه أكثر واقعية من الحقيقي، يكون الظاهر غامضاً، والأعلى أسفل، والصحيح خطأ، أصبحنا في زمن انقلبت فيه المفاهيم.
قبل مئة واثنين وثلاثين عاماً، قال نيتشه إن شيئاً شريراً للغاية على وشك الظهور لأول مرة. نحن نعلم أنه حدث، وكانت النتيجة ظهور أسلحة الدمار الشامل (النووية والكيميائية والذرية والعنقودية والانشطارية وصواريخ عابرة للقارات) هذا ما صنعه الدماغ البشري الدموي.
صعدت العدمية إلى مركز الصدارة وكانت نجمة العرض منذ ذلك الحين. في السابق لم يكن لدى نيتشه الإنترنت، لكنه عاش في فجر العصر الكهربائي، عندما كانت تحولات (الزمكان) تحدث بوتيرة سريعة.
اختراعات مثل التصوير الفوتوغرافي، والفونوغراف، والهاتف، والكهرباء، وما إلى ذلك، كانت تقلص المكان والزمان، وولدت “حقيقة” مجردة. خذ على سبيل المثال الفونوغراف الذي اخترعه توماس إديسون عام 1878 إذ كان بإمكانك تسجيل صوت شخص ما، وسماعه متى تريد حتى بعد وفاته. بدأ الكثير من الناس بسماع الأصوات، ولم يتم وصف هؤلاء الأشخاص بالخداع. وبعدها ومع وصول السينما، أصبحوا يرون الأشباح أيضاً.
واليوم بعد أن أصبحنا في القرن الواحد والعشرين كنا نظن أننا أصبحنا نعيش في عالم أزال فيه الضباب، عالم متطور، يمكن التحقق منه ومعرفة كل شيء. وبدلاً من ذلك، عاد كل شيء إلى كونه “خرافة” مرة أخرى. كيف نحصل على الحقيقة ومن أين؟ هذا هو الشلل العقلي، الشلل الذي يعانيه أو يسعون إلى أن يصاب به الجميع. نحن اليوم أكثر انحرافاً في بحر إلكتروني عاصف حيث تم استبدال الدائرة التناظرية للحياة بالدائرة الرقمية، في الحقيقة أصبحنا مثل الأرقام تُنقر في مكانها باستمرار لتقودنا في اتجاهات خاطئة تتحكم فيها الخوارزمية. الإنترنت وحياة الشاشة الرقمية، يكبر الطفل ويتحرر من الجسد تماماً. ويدخل في عالم جامد خلف الشاشة وينفصل عن واقعه.
وتنتشر الأشباح الناطقة في كل مكان، مختبئة في الأجهزة المحمولة باليد. كأنه عيد الهالوين على مدار السنة لأننا محاطون بزومبي إلكتروني في ثقافة الشاشة. كانت هذه الإبادة التكنولوجية للمكان والزمان الذي كان يحدث بوتيرة محمومة بمثابة الخلفية المادية لفكر نيتشه. كانت هذه خدعة عقلية، لأن معظم الناس لا يمكنهم قبول ذلك، لأن “المعرفة” كانت بمثابة مضرب حماية من الألم والجنون. هناك الكثير من الأشخاص العاديين لم يخوضوا في هذه الأفكار الثورية، إلا أنهم فعلوا، من خلال الاختراعات التي كانت تدخل حياتهم.
كانت الحياة تنتقل من الجوهر إلى الظل بسبب براعة الإنسان. إنه مشابه لما يشعر به الكثيرون اليوم: أن الواقع والحقيقة تتجاوزان إدراكهم كقوى تكنولوجية يتبنوها طواعية تدفع الناس إلى حياة إلكترونية غير إنسانية وعابرة للإنسان على الإنترنت حيث يكون كل شيء محاكاة ساخرة لكل ما سبقه.
كل هذا يأتي من نسبية المعرفة في القرن التاسع عشر، أو على الأقل ما تم اعتباره كذلك، لأن القول بأن كل المعرفة نسبية هو بيان مطلق. يذهب هذا التناقض إلى قلب معضلتنا الحالية. “تبدو جميع البلدان تماماً مثل الصور المتحركة.” باختصار، الرسالة المجازية الأساسية للكمبيوتر هي أننا سنصبح آلات – آلات تفكر، بالتأكيد نعم، لكننا نبقى آلات مع ذلك – إنها تخضع لمزاعم طبيعتنا وبيولوجيتنا وعواطفنا وروحانيتنا. يدعي الكمبيوتر السيادة على النطاق الكامل للتجربة البشرية، ويدعم ادعاءه من خلال إظهار أنه “يفكر” أفضل مما نستطيع.
قبل أن يصبح الكمبيوتر والإنترنت في كل مكان ولفترة طويلة قبل أن يصبح العيش عبر الإنترنت أمراً ضروريًا – قبل أن يتم دفعه في حناجرنا كما هو الحال اليوم تحت غطاء COVID-19. لا شك في أننا مدفوعون للرضوخ و قبول كامل للحياة الإلكترونية عبر الإنترنت، التعلم عبر الإنترنت، والأخبار عبر الإنترنت، وكل شيء عبر الإنترنت – فقط الأحمق هو من سيفشل في رؤية ما يتم الترويج له. ومن يتحكم في الحياة الإلكترونية والإنترنت؟ لست أنت، ولا أنا، بل السلطات، ووكالات الاستخبارات العالمية.
وبالنسبة للمستقبل سيتوج بلؤلؤة التصنيع الرابع – الذكاء الاصطناعي (AI). سيكون ذلك ممكنًا من خلال مجال كهرومغناطيسي 5G، ما يسمح بإنترنت الأشياء (IoT). يعد وجود 5G والمزيد من التطوير ضروريًا لمراقبة البشرية والسيطرة عليها، من خلال رقمنة كل شيء، بما في ذلك الهوية البشرية والمال.
سيكون الأمر بسيطًا جدًا، لا مزيد من النقد، فقط نقود إلكترونية ورقمية – وهذا أمر خارج عن سيطرة المالك، حيث يمكن الوصول إليها من قبل الحكومة العالمية وحجبها / أو استخدامها للضغط على الحكومات وإجبارهم على فرض الطاعة المفروضة من الأعلى. (أنت لا تتصرف وفقًا لمعاييرنا، لا نقود لشراء الطعام
والمأوى والخدمات الصحية، نحن نتركك تتضور جوعاً، لا مزيد من السفر، لا مزيد من حضور الأحداث العالمية، سيتم وضعك تدريجياً في الحبس الانفرادي الخاص بك).
إن السيطرة العالمية الديكتاتورية والاستبدادية من خلال التحكم الرقمي في كل شيء هي جوهر عصر التصنيع ال 5G – الذي تم الترويج له بشكل كبير من خلال إعادة التعيين الكبرى للمنتدى الاقتصادي العالمي.
الآن لدينا الفضاء السيبراني، والآلات الرقمية، والإنترنت، ولا ينبغي أن يكون من المفاجئ أن يتم دفع هذا العالم عبر الإنترنت باعتباره الوضع الطبيعي الجديد والمستقبلي.
إذا أصبح الاتصال البشري يتم التحكم فيه رقميًا بشكل أساسي عبر الإنترنت وعلى الشاشات، فإن أولئك الذين يتحكمون في الآلات سيكونون قد حققوا أقوى وسائل التحكم في العقل التي تم اختراعها على الإطلاق. سيكون هذا على نطاق واسع. ستكون المراقبة والتحكم في الحياة البشرية كاملة.
بقلم: إدوارد كيرتن
المصدر Global Research